للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هذان القولان للشَّافعيِّ مشهوران، وأصحُّهما عند الجمهور نصُّه في (الأمِّ) أنَّه لا يَطْهُر، وممَّن صحَّحه من المُصنِّفين أبو القاسم الصَّيْمَريُّ، والشيخ أبو محمَّدٍ الجُوينيُّ، والبَغَويُّ، والشَّاشِيُّ، والرَّافِعِيُّ، وقطع به الجُرْجَانيُّ في (التَّحرير). قال: وصحَّح الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايينيُّ والرُّويانيُّ طهارته؛ قال الرُّويانيُّ: لأنَّ الصحابة في زمن عمر رضي الله عنه قَسَّمُوا الفِرَاء المَغْنومَة من الفُرْس، وهي ذبائح مَجوسٍ.

واستدلَّ من صحَّح القول الأوَّل بحديث أُسامة السابق: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ)، وروى أبو داود والنسائي بإسنادٍ حَسنٍ عن المِقْدام بن مَعْدِي كَرِب (أنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ لُبْسِ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ)، وروى أبو داود عن مُعاوية (أنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ رُكُوبِ جُلُودِ النُّمُورِ؟ قَالُوا: نَعَمْ).

قال الأصحاب: يُستدلُّ بهذه الأحاديث على أنَّ الشَّعْر لا يَطْهُر بالدِّباغ؛ لأنَّ النَّهي مُتناوِلٌ لما بعد الدِّباغ، وحيث لا يجوز أن يكون النَّهي عائداً إلى نفس الجِلْد؛ فإنَّه طاهرٌ بالدِّباغ بالدَّلائل السابقةِ؛ فهو عائدٌ إلى الشَّعْر. هذا ما في (شرح المُهذَّب).

وأقول: الذي يترجَّحُ عندي بالنَّظر في الأدلَّة ما رجَّحه الإسفرايينيُّ والرُّويانيُّ من طهارة الشَّعْر بالدِّباغ. وقد رجَّحَه أيضاً العَبَّادِيُّ وقال: عليه تدلُّ الآثار. وصحَّحه من المتأخِّرين ابنُ أبي عَصْرون في (المُرشِد)؛ لعموم البَلْوَى به، والشيخُ تقيُّ الدِّين السُّبْكِيُّ؛ قال ولدُه في (التَّوشيح): صحَّحَ ابنُ أبي عَصْرون طهارة الشَّعْر بالدِّباغ، قال الوالد في (مجاميعه): وهو الذي أختارُه وأُفْتي به؛ للحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>