وأمَّا حديث سَلَمَة فمعناه أنَّ دِباغ الأَديم مُطَهِّرٌ له ومُبيحٌ لاستعماله، كالذَّكاة فيما يُؤكَلُ.
وأمَّا قياسُهم على الكَلْب؛ فجوابُه: الفَرْقُ بأنَّه نَجِسٌ في حياته، فلا يزيدُ الدِّباغُ على الحياة.
واحتجَّ أصحاب المذهب الرَّابع والخامس والسَّادس بعموم أحاديث الدِّباغ.
وأجاب الأوَّلون عنها بأنَّها خُصَّ منها الكَلْب والخنزير للمعنى المذكور؛ وهو أنَّهما نَجِسان في الحياة، فلا يزيد الدِّباغُ عليها.
واحتجَّ أصحاب المذهب السابع بروايةٍ وَرَدَت في حديث ابن عبَّاسٍ:(هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ)، ولم يذكُر الدِّباغَ.
وأجاب الأوَّلون بأنَّ هذه الرِّواية مُطلَقةٌ؛ فتُحمَلُ على الرِّوايات المُقَيِّدَة؛ لما تقرَّر في أصول الفقه من (حَمْلِ المُطلَقِ على المُقَيَّد).
إذا تقرَّر ذلك؛ فنعود إلى مسألتنا؛ فنقول: من ذهب إلى أنَّ الشَّعْر لا يَنْجُس بالموت، بل هو باقٍ على طهارته، وهم أكثر الأئمَّة -كما تقدَّم-، فلا إشكال على مذهبه، وكذا من ذهب إلى أنَّه يَنْجُس بالموت ويَطْهُر بالغَسْل.
وأمَّا من قال بنجاسَته بالموت، وأنَّه لا يَطْهُر بالغَسْل، وهو الشَّافعيُّ رضي الله عنه في أوَّل قَوْلَيْه، وهو المشهور من مذهبه؛ فهل يَطْهُر الشَّعْر عنده بالدِّباغ تبعاً للجِلْد أو لا؟ فيه قولان مشهوران عن الشافعي.
قال صاحب (المُهذَّب): فإن دُبِغَ جِلْد المَيتَة وعليه شَعْرٌ، قال في (الأمِّ): لا يَطْهُر الشَّعْر؛ لأنَّ الدِّباغ لا يُؤثِّر فيه، وروى الرَّبيعُ بن سُلَيمان الجِيزيُّ عنه أنَّه يَطْهُر؛ لأنَّه شَعْرٌ نابتٌ على جِلْدٍ، فهو كالجِلْد في الطَّهارة، كشَعْرِ الحيوان في حال الحياة.