للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التَّخَتُّمَ بِالذَّهَبِ، وَالقَسِّيَّةَ، وَثِيَابَ المُعَصْفَرِ، وَالمُفْدَمَ، وَالنُّمُورَ)؛ فَقِرَانُ جِلْد السِّباع والنُّمور بهذه الأشياء في هذين الحديثين دليلٌ على أنَّ النَّهي فيه للسَّرَفِ والخُيلاءِ، لا للنَّجاسة.

وروى أبو داود أيضاً عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَا تَصْحَبُ المَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جِلْدُ نَمِرٍ)، وهذا أيضاً يدلُّ على أنَّ النَّهيَ للخُيلاءِ لا للنَّجاسَة؛ لأنَّ الجِلْد النَّجِس لا يَحْرُم اقتناؤه، إنَّما يَحرُم لُبْسُه واستعماله في الأشياء الرَّطِبَة، والحديث دلَّ على ذمِّ اقتنائه مُطلَقاً؛ فعُرِفَ أنَّ المعنى فيه الخُيلاء؛ كأواني النَّقْدَيْن حُرِّمَت للخُيَلاء، فَحُرِّم اقتناؤها.

وأمرٌ آخر: وهو أنَّه لو كان النَّهيُ لنجاسة الشَّعْر لم يكن يَمْتَنِع إلَّا الجلوس على الوجه الذي فيه الشَّعْر خاصَّة، ولو قَلَبَه وجَلَس على الوجه الذي لا شَعْر فيه لم يمتنع؛ لأنَّ ذلك الوجه من الجِلْد قد طَهُر بالدِّباغ قَطْعاً، ولا شكَّ أنَّ النَّهيَ شاملٌ للوجهين معاً، كما هو ظاهر الأحاديث السابقة.

وعند ابن أبي شيبة في (مسنده) من حديث مُعاوية قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَجْلِسُوا عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ)، وعند الحارث بن أبي أُسامة في (مسنده)، عن سَمُرَة بن جُنْدُبٍ: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى أَنْ تُفْتَرَشَ مُسُوكُ السِّبَاعِ)؛ فهذه إطلاقاتٌ شامِلَةٌ للجِلْد بوَجْهَيه؛ فَدَلَّ على أنَّ ذلك لمعنى السَّرَف والخُيلاء، لا للنَّجاسة.

وأيضاً: فلم يذكر الفقهاء أنَّه يَحرُمُ الجُلوس على جِلْد المَيتَة النَّجِس، إنَّما ذَكَروا تَحريم لُبْسِه. وإلحاق الافتراش به قد لا يُسَلَّم، والأحاديث صريحةٌ في النَّهي عن افتراش جُلُود السِّباع، والجلوس عليها، والرُّكوب عليها؛ فدلَّ ذلك على أنَّه لمعنًى آخر غير النجاسة.

فإن قُلتَ: فقد قال سعيدُ بن منصورٍ في (سُنَنه): ثنا عبد الرحمن بن زياد عن

<<  <  ج: ص:  >  >>