للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التَّرجيح مَسْلَكاً آخر؛ فقال: نَهْيُهُ عليه السَّلام عن افتراش جُلُود السِّباع مخصوصٌ بالاتِّفاق، وقوله عليه السَّلام: (أَيَّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ) غير مخصوصٍ بالاتِّفاق؛ فيُرجَّحُ العملُ به على مُعارِضِه. هذا كلام ابن دقيق العيد.

ومَسْلَكٌ آخر في الجواب؛ وهو: أنَّا نمنع عن كَوْن النَّهي عن جُلود السِّباع لأجل شَعْرِها، بل لمعنى آخر أشار إليه الخَطَّابيُّ؛ وهو أنَّها إِنَّما نُهِي عنها من أجل أنَّها مَراكبُ أهل السَّرَفِ والخُيلاء، وتمام ذلك أن يُقال: إنَّه من صُنْع الأعاجم، وقد صحَّت الأحاديث بالنَّهي عن التَّشبُّه بفِعْل الأعاجم -أي الفُرْس-، ويُؤيِّد ذلك أمران:

أحدُهما: أنَّ النَّهيَ مُطلَقٌ، ولو كان لأجل نجاسة الشَّعْر لكان يَزولُ بِنَتْفِه، ولا شكَّ أنَّ الحديث شاملٌ للحالتين.

والثاني: أنَّه لو كان لأجل نجاسة الشَّعْر لم يكن لتخصيص السِّباع بالذِّكْر فائدةٌ؛ فإنَّ الغَنَم وسائر الحيوانات كانت تساوي السِّباع في ذلك، فلو لم يكن ذلك لمعنًى آخر غير النجاسة، لم يكن لتخصيص السِّباع بالذِّكْر فائدة.

وأمر ثالث: وهو أنَّ أبا داود روى في (سُنَنه) من حديث مُعاوية قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَرْكَبُوا الخَزَّ وَالنِّمَارَ)؛ فَقِرَانُ الخَزِّ بالنِّمار في هذا الحديث دليلٌ على أنَّ النَّهي فيه للسَّرَف والخُيلَاء، لا للنَّجاسة.

وكذلك ما رواه أحمد وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر قال: (نَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ المِيثَرَةِ، وَالقَسِّيَّةِ، وَحَلْقَةِ الذَّهَبِ، وَالمُفْدَمِ). قال يَزيدُ: وَالمِيثَرَةُ: جُلُود السِّبَاع، وَالقَسِّيَّة: ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ من إِبْرَيْسَمٍ، وَالمُفْدَمُ: المُشَبَّعُ بِالعُصْفُر.

وروى الطَّبرانيُّ في (الكبير) عن ثَوْبان قال: (حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-

<<  <  ج: ص:  >  >>