للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قيل: يجوز تخليلها، كما يُحكَى عن أبي حنيفةَ.

وقيل: لا يجوز، لكن إذا خُلِّلت طَهُرت، كما يُحكَى عن مالكٍ.

وقيل: يجوز بنَقْلِها من الشَّمسِ إلى الظِّلِّ وكَشْف الغطاء عنها ونحو ذلك، دون أن يُلقَى فيها شيءٌ، كما هو وجهٌ في مذهب الشَّافعيِّ وأحمد.

وقيل: لا يجوز بحال، كما يقوله من يقوله من أصحاب الشَّافعيِّ وأحمد. وهذا هو الصَّحيح؛ فإنَّه قد ثبت عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- (أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ خَمْرٍ لِيَتَامَى، فَأَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا. فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ فُقَرَاءُ. فَقَالَ: سَيُغْنِيهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ)، فلمَّا أَمَر بإراقتها ونَهَى عن تَخليلها، وَجَبَت طاعتُه فيما أَمَر به ونَهَى عنه؛ فيَجِب أنْ تُراق الخَمْرَة ولا تُخلَّل، هذا مع كونهم كانوا يتامى، ومع كون تلك الخَمْرَة كانت مُتَّخذَةً قبل التَّحريم، فلم يكونوا عُصاةً.

فإن قيل: هذا منسوخٌ؛ لأنَّه كان في أوَّل الإسلام، فأُمِرُوا بذلك كما أُمِرُوا بكَسْر الآنية، وشَقِّ الظُّروف ليَمتنعوا عنها.

قيل: هذا غلطٌ من وجوهٍ:

أحدُها: أنَّ أمْرَ الله ورسوله لا يُنسَخ إلَّا بأَمْر الله ورسوله، ولم يَرِدْ بعد هذا نصٌّ ينسخُه.

الثَّاني: أنَّ الخلفاء الرَّاشدين بعد موته عملوا بهذا؛ كما ثبت عن عمر ابن الخطَّاب أنَّه قال: (لَا تَأْكُلُوا خَلَّ خَمْرٍ إِلَّا خَمْراً بَدَأَ اللهُ بِفَسَادِهَا، وَلَا جُنَاحَ عَلَى مُسْلِمٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ خَلِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ)، فهذا عمر يَنْهَى عن خَلِّ الخَمْر التي قُصِدَ إفسادُها، ويأْذَنُ فيما بدأ الله بإفسادها، ويُرخِّص في اشتراء خَلِّ الخَمْر من أهل الكتاب؛ لأنَّهم لا يُفسِدون خَمْرَهم، وإنَّما يتخلَّل بغير اختيارهم. وفي قول عمر حُجَّةٌ على جميع الأقوال.

الوجه الثَّالث: أن يُقال: الصَّحابةُ كانوا أطْوَع النَّاس لله ورسوله، ولهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>