للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لمَّا حُرِّمَ عليهم الخَمْر أراقوها، فإذا كانوا مع هذا قد نُهوا عن تخليلها وأُمِروا بإراقتها، فمَنْ بَعْدَهم من القرون أَوْلَى منهم بذلك؛ فإنَّهم أقلُّ طاعةً لله ورسوله منهم.

يُبيِّن ذلك: أنَّ عمر بن الخطَّاب غَلَّظ على النَّاس العُقوبة في شُرْب الخَمْر، حتَّى كان ينفي فيها؛ لأنَّ أهل زمانه كانوا أقلَّ اجتناباً لها من الصَّحابة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكيف يكون زمانٌ ليس فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه؟ لا ريب أنَّ أهله أقلُّ اجتناباً للمَحارِم، فكيف تُسَدُّ الذَّريعة عن أولئك المُتَّقين وتُفتَح لغيرهم وهم أقلُّ تقوى منهم؟

وأمَّا ما يُروَى: «خَيْرُ خَلِّكُمْ خَلُّ خَمْرِكُمْ»؛ فهذا الكلام لم يقُلْه النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، ومن نقله عنه فقد أخطأ، ولكن هو كلامٌ صحيحٌ؛ فإنَّ خلَّ الخَمْر لا يكون فيها ماءٌ، ولكن المراد به الذي بَدَأ الله بقَلْبِه.

وأيضاً: فكُلُّ خَمْرٍ يُعمَل من العِنَب بلا ماءٍ فهو مِثْل خَلِّ الخَمْر؛ وقد وَصَف العُلماء عمل الخلِّ: أنَّه يُوضَع أوَّلًا في العِنَب شيءٌ يُحمِّضُه حتَّى لا يستحيل أوَّلاً خَمْراً. ولهذا تنازعوا في خَمْرَة الخِلال؛ هل يَجِبُ إراقتُها؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره؛ أظهرُهما: وُجوبُ إراقتها كغيرها؛ فإنَّه ليس في الشَّريعة خَمْرَةٌ مُحترمَةٌ، ولو كان لشيءٍ من الخَمْرِ حُرْمَةٌ لكانت لخَمْرِ اليتامى التي اشتُريَت لهم قبل التَّحريم؛ وذلك أنَّ الله أَمَر باجتناب الخَمْر، فلا يجوزُ اقتناؤها، ولا يكون في بيت مُسلِم خَمْرٌ أصلاً، وإنَّما وقعت الشُّبهَة في التَّخليل؛ لأنَّ بعض العُلماء اعتقد أنَّ التَّخليل إصلاحٌ لها، كدِباغ الجِلْد النَّجِس.

وبعضُهم قال: اقتناؤها لا يجوز؛ لا لتَخْليل ولا غيره، لكن إذا صارت خَلًّا فكيف تكون نَجِسَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>