أصحابه، وجمهور أهل العلم، وقد تقرَّر أنَّ (الأصلُ في الإطلاق الحقيقةُ)، فما الذي نقل عن هذا الأصل وأوجب المصير إلى المجاز؟!
ولو سلَّمنا أنَّ ذلك إطلاقُ مجازٍ عند أهل اللُّغة، فلا نُسلِّم أنَّه مجازٌ عند الشَّارع وأهل الشَّرع، والحقائقُ الشرعيَّةُ مُقدَّمة.
وبالجملة؛ فالأدلَّة المتقدِّمة قد دلَّت على تحريم كلِّ مُسْكِرٍ، وذلك هو المطلوب؛ قال القُرطبيُّ: الأحاديث الواردة عن أنس وغيره على صحَّتها وكثرتها تُبطِل مذهب الكوفيِّين القائلين بأنَّ الخَمْر لا تكون إلَّا من العِنَب، وما كان من غيره لا يُسمَّى خَمْراً، ولا يتناوله اسم الخَمْر. وهو قولٌ مخالفٌ للُغة العَرَب والسُّنَّة الصَّحيحة وللصَّحابة؛ لأنَّهم لمَّا نزل تحريم الخَمْر فهموا من الأمر باجتناب الخَمْر تحريم كُلِّ مُسْكِر، ولم يُفرِّقوا بين ما اتُّخذ من العِنَب وبين ما يُتَّخذ من غيره، بل سوَّوا بينهما وحرَّموا كُلَّ مُسْكِر، ولم يتوقَّفوا ولا استفصلوا، ولم يُشكِل عليهم شيءٌ من ذلك، بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العِنَب، وهم أهل اللِّسان وبِلُغَتِهم نزل القرآن، فلو كان عندهم فيه تردُّد لتوقَّفوا عند الإراقة حتَّى يستكشفوا ويستفصلوا ويتحقَّقوا التحريم؛ لِمَا كان مُقَرَّراً عندهم من النهي عن إضاعة المال، فلمَّا لم يفعلوا ذلك، بل بادروا إلى الإتلاف، عَلِمْنا أنَّهم فهموا التَّحريم نصًّا؛ فصار القائل بالتفريق سالكاً مسلكاً غير سليم، ثمَّ انضاف إلى ذلك خُطبة عمر بما يوافقه، وهو مَنْ جَعَلَ اللهُ الحقَّ على لسانه وقلبه، وسَمِعَهُ الصَّحابة وغيرهم، فلم يُنقَل عن أحدٍ منهم إنكار ذلك.
قال: وإذا ثبت أنَّ كُلَّ ذلك يُسمَّى خَمْراً لَزِمَ تحريم قليله وكثيره، وقد ثبتت الأحاديث الصَّحيحة في ذلك، ثمَّ ذَكَرَها.