للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مُسْكِراً، والحديث النَّبويُّ يقول: (أَنَا أَنْهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ)، ويقول: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ). والحشيش فيه هذا المعنى؛ ولذلك يَحرُم كحُرْمَة الخَمْر.

ولا يمنعُ من هذا أنَّ الحشيش شيءٌ جامدٌ غير سائلٍ؛ لأنَّ الإسلام لا ينظر هنا إلى أنَّ الخَمْر سائلٌ يُشْرَب، أو أيُّ شيءٍ يُؤكَل، أو أيُّ شيءٍ يُدَخَّن، أو شيء يُحْقَنُ، بل كُلُّ ما أثَّر في العَقْل حتَّى أخرجَهُ عن اتِّزانِه واعتدالِه، وسَتَرَه عن تفكيره ووعيه المألوف، يَدخُل تحت مفهوم الخَمْر، فالإسلام لا ينظر إلى ذلك الشيء المُخامِر، بل ينظر إلى أَثَرِه وعاقِبَتِه.

وجاء تحريم الحشيش بالنصِّ أيضاً؛ فقد روى الإمام الجليل أحمد بن حنبل رضي الله عنه في (مُسنَدِه) أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- (نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ)، والمُفَتِّر: هو كُلُّ ما يورِثُ الفُتور والخَدَر في الأعضاء والأطراف. والثابت المشاهد أنَّ الحشيش يُوجِدُ هذا الفتور في الجسم بشكل واضح ملموس، فلو فرضنا جدلًا أنَّ الحشيش لا يدخل تحت مفهوم الخَمْر، لدَخَل تحت مفهم المُفَتِّر، ولا يستطيع مكابرٌ حينئذٍ أنْ يُكابِرَ في هذا، أو يدَّعي بعدَه أنَّ الحشيش ليس بحَرامٍ.

ولقد أجمع فقهاء الإسلام على تحريم المُخَدِّرات كُلِّها، وفي طليعتها الحشيش، وذكر الإمام ابن حجرٍ أنَّ «شُرْبَ المُخَدِّرات من كبائر الذُّنوب». كما قرَّر الفقهاء حُرْمَةَ الاتِّجار في هذه المُخَدِّرات.

وجاء في كتب مذهب الحنفيَّة أنَّه «يحرُمُ أَكْلُ البَنْج والحشيش والأَفْيون؛ لأنَّها مُفسِدَةٌ للعَقْل، وتَصُدُّ عن ذِكْر الله تعالى وعن الصلاة، ويجبُ تعزيرُ آكِلِها بما يَرْدَعُه». أي: تجبُ معاقبتُه بما يراه وليُّ الأمر، حتَّى يُقلِعَ عن تعاطيها.

والمراد مِنْ أَكْل البَنْج هنا هو تعاطيه في غير العمليَّات الجِراحيَّة اللَّازمة؛

<<  <  ج: ص:  >  >>