العَيْن، وإنَّما من جهة المضرَّة عند استخدام الكثير منها.
جاء في (حاشية الشرواني): «ما حُرِّم من الجمادات لا حَدَّ فيها وإن حُرِّمَت وأَسْكَرَت، بل التعزير؛ لانتفاء الشِّدَّة المُطْرِبَة عنها، كالجَوْزَة ... فهذا كما ترى دالٌّ على حِلِّ القليل الذي لم يصل إلى حَدِّ الإسْكار كما صرَّح به غيره. وممَّا يدلُّ على حِلِّه عبارة الشارح: أمَّا الجامد فطاهرٌ، ومنه جَوْزَة الطِّيب؛ فيَحْرُم تناول القَدْر المُسْكِر من كُلِّ ما ذُكِر، كما صرَّحوا به. وعبارة الكُرْدِيِّ: أمَّا القَدْر الذي لا يُسْكِر فلا يَحرُم؛ لأنَّه طاهرٌ غير مُضرٍّ ولا مُستقذَرٍ» انتهى.
ولما سُئِلَ الإمامُ الرَّمْلِيُّ فقيه الشافعيَّة -كما في (الفتاوى) -: عن أَكْل جَوْزِ الطِّيب هل يجوز أو لا؟ أجاب رحمه الله بقوله:«نعم يجوز إن كان قليلًا، ويَحرُم إن كان كثيراً».
وجاء في (مواهب الجليل) من كتب المالكيَّة: «الجَوْزَة من المُفسِدات، قليلها جائزٌ، وحكمها الطهارة، وقال البُرْزُليُّ: أجاز بعض أئمَّتنا أَكْل القليل من جَوْزَة الطِّيب لتسخين الدِّماغ، واشترط بعضهم أن تختلط مع الأدوية. والصواب العموم».
وعليه يظهر أنَّ المالكيَّة والشافعيَّة قد فرَّقوا بين الخَمْر وجَوْزَة الطِّيب من عدَّة وُجوهٍ:
أوَّلاً: النجاسة؛ فهم لا يرونها نَجِسَةً مُستقذَرَة كالخَمْر.
ثانياً: العُقوبة؛ فمن استخدم الجَوْزَة بمقدارٍ يضرُّ بنفسه لا يُقام عليه حَدُّ شارب الخَمْر، بل يُعزَّر.
ثالثاً: حكم بيعها؛ فبيعها حلالٌ، ويَحِلُّ ما يرتبط بها من زراعة وصناعة، ولا يشملها لَعْن الخَمْر.
رابعاً: التأثير؛ فجَوْزَة الطِّيب مُفَتِّرة (يُخدِّر الكثير منها)، وليست مُسْكِرة، ومن أطلق عليها أنَّها مُسْكِرة إنَّما أراد به المعنى العام لهذه الكلمة، وهو التخدير