الطيِّبة، وتربية أولادهم، أو تصدَّقوا بها في سبيل الله لكان خيراً لهم، وصدق شاعرنا القائل:
عَزَمْتُ عَلَى تَرْكِ التَّنَاوُلِ لِلْقَاتِ ... صِيَانَةَ عِرْضِي أَنْ يَضِيعَ وَأَوْقَاتِي
وَقَدْ كُنْتُ مِنْ هَذَا المُضِرِّ مُدَافِعاً ... زَمَاناً طَويلاً رَافِعاً فِيهِ أَصْوَاتِي
فَلَمَّا تَبَيَّنَتِ المَضَرَّةُ وَانْجَلَتْ ... حَقِيقَتُهُ بَادَرْتُهُ بِالمُنَاوَاتِ
طَبِيعَتُهُ اليُبْسُ المُلِمُّ بِبَرْدَةٍ ... أَخَا المَوْتِ كَمْ أَفْنَيْتَ مِنَّا الكَرَامَاتِي
وَقِيمَةُ شَارِبِي القَاتِ فِي أَهْلِ سُوقِهِ ... كَقِيمَةِ مَا يَدْفَعُهُ فِي ثَمَنِ القَاتِي
وإنَّهم ليجتمعون على أَكْلِه من منتصف النهار إلى غروب الشمس، وربَّما استمرَّ الاجتماع إلى منتصف اللَّيل، يأكلون الشجر، ويَفْرُون أعراض الغائبين، ويخوضون في كُلِّ باطل، ويتكلَّمون فيما لا يعنيهم.
ويزعم بعضهم أنَّه يستعين به على قيام اللَّيل، وأنَّه قوت الصالحين. ويقولون: جاء به الخَضِرُ من جبل قاف للملك ذي القَرْنَين، ويَرْوُون فيه من الحكايات والأقاصيص شيئاً كثيراً، وربَّما رفع بعضهم عقيرته بقوله:
صَفَتْ وَطابَتْ بأَكْلِ القَاتِ أَوْقاتِي ... كُلْهُ لِمَا شِئْتَ مِنَ دُنْيَا وَآخِرَةِ
وَدَفْع ضُرٍّ وَجَلْبٍ للمَسَرَّاتِ
ومن الشيوخ الذين قضى القات على أضراسهم من يَدُقُّه ويَطْرَبُ لسماع صوت المَدَقِّ، ثمَّ يَلُوكُه ويَمُصُّ ماءه، وقد يُجفِّفونه ثمَّ يحملونه معهم في أسفارهم، وإذا رآهم من لا يعرف القات سَخِرَ بهم وضَحِكَ منهم، وإنَّ أحد المصريِّين ليقول في قصيدةٍ يهجو بها اليمنيِّين:
أُسَارَى القَاتِ لا تَبْغُوا عَلَى مَنْ ... يَرَى فِي القَاتِ طِبًّا غَيْرَ شَافِي
أمَّا (التِّنْباك): وهو التَّبْغ فضَررُه أكبر، والمصيبة به أعظم، ولا يبعدُ أن يكون من الخبائث التي نهى الله عنها، ولو لم يكن فيه من الشرِّ إلَّا ما تشهد به