أو يوجد من لا يُحرِّم أَكْل ذوات المَخالب من الطَّير، فلنا أن نتَّبعهم. ولو فُتِحَ هذا الباب، فُتِحَ على الناس شرٌّ كثير، وصار سبباً لانحلال العوامِّ عن دِينهم، ولكن كُلُّ أحدٍ يعرف أنَّ تتبُّع مثل هذه الأقوال المخالفة لما دلَّت عليه الأدلَّة الشرعيَّة، ولما عليه أهل العِلْم، من الأمور التي لا تَحِلُّ ولا تجوز، والميزان الحقيقيُّ هو ما دلَّت عليه أصول الشرع وقواعده، ولما يترتَّب على الأمور من المضارِّ والمفاسد المتنوِّعة، فكُلُّ أمرٍ فيه ضررٌ على العبد في دِينِه أو بَدَنِه أو مالِهِ من غير نفع، فهو مُحرَّمٌ، فكيف إذا تنوَّعت المفاسد وتجمَّعت؟! أليس من المتعيِّن شرعاً وعَقْلاً وطِبًّا تركها والتحذير منها، ونصيحة من يقبل النصيحة؟ فالواجب على من نصح نفسه وصار لها عنده قَدْر وقيمة، أن يتوب إلى ربِّه من شُرْبِه، ويعزم عزماً جازماً مقروناً بالاستعانة بالله، لا تردُّد فيه ولا ضعف عزيمة، فإنَّ من فعل ذلك أعانه الله على تركه، وهوَّن عليه ذلك، وممَّا يهوِّن الأمر أن يعرف أنَّ من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه، وكما أنَّ ثواب الطاعة الشاقة أعظم ممَّا لا مشقَّة فيه، فكذلك ثواب ترك المعصية إذا شقَّ عليه الأمر وصعب؛ أعظم أجراً، وأكثر ثواباً، فمن وفَّقه الله وأعانه على ترك الدُّخان، فإنَّه يجد مشقَّة في أوَّل الأمر، ثمَّ لا يزال يَسْلُو شيئاً فشيئاً حتَّى يُتمَّ الله نعمته عليه، ويَغْتَبِط بفضل الله عليه وحفظه وإعانته، وينصح إخوانه بما نصح به نفسه، والتوفيق بيد الله، ومن عَلِمَ اللهُ من قَلْبِه صِدْق النيَّة في طلب ما عنده بفعل المأمور وترك المحظور، يَسَّره لليُسرى، وجَنَّبه العُسرى، وسَهَّل له طُرُق الخير كُلَّها، فنسأل الله الذي بيده أَزِمَّة الأمور أن يأخذ بنواصينا ونواصي إخواننا إلى الخير، وأن يحفظنا وإيَّاهم من الشرِّ، إنَّه جَوَادٌ كريمٌ رؤوفٌ رحيمٌ، وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد وسلَّم.