للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فنقول: أمَّا الاسبيرتو المأخوذ من الأشياء الطاهرة؛ كالحُبوب والأخشاب؛ فالأدوية والرَّوائح العِطريَّة المخلوطة به طاهرةٌ، وأمَّا الاسبيرتو المستخرجُ من الأشياء المُتخَمِّرَة -وهي الخُمور-؛ فإنْ تَلاشَى فيها أو تَحَوَّل من طَبْعِه؛ فالظَّاهِرُ أنَّه لا بأس به؛ يدلُّ على ذلك ما نقله في (التتارخانيَّة) عن (المحيط) قال ما نصُّه: «أبو يوسُفَ عن أبي حنيفةَ [في] رَجُلٍ اتَّخذَ [مُرِّيًّا] من سَمَكٍ ومِلْحٍ وخَمْرٍ، قال: إذا صار [مُرِّيًّا] فلا بأس به، بالأثر الذي جاء عن أبي الدَّرداء. وأبو يوسُف رحمه الله يقول كذلك إلَّا في خصلةٍ واحدةٍ؛ أنَّ السَّمَك إذا كان هو الغالب، والخَمْر قليلٌ، وأراد أن يتناول شيئاً، [ليس له ذلك]، وهو كالخُبْز إذا عُجِنَ بالخَمْر، و [إن] كان الخَمْر غالباً، [وتحوَّلت] الخَمْر عن طَبْعِها إلى [المُرِّي] فلا بأس بذلك».

وفيه أيضاً عن أبي يوسف: «أنَّ رَجُلاً اتَّخَذَ من الخَمْر طِيباً، وألقى فيه أَفاوِيه، لا يَحِلُّ له أن يتَطَيَّب به، [وأن] يمْتَشِط به، ولا يَحِلُّ له بيعُها، وكذا ما خالط الخَمْر من الإِدام؛ فإنَّ الخَمْر يُحرِّمُه، ما خَلَا خصلة واحدة؛ أن يكون الخَمْر غالباً، فيحوَّل عن طباعِها إلى الخَلِّ أو [المُرِّي]. اهـ».

ومن هذا الذي ذكرناه يُعلَم أنَّ الاسبيرتو في الغالب إنَّما يُؤخَذ من غير الأشْرِبَة المُحرَّمة عند الحنفيَّة، أو من الأشْرِبَة ممَّا هو طاهرٌ كالأخشاب -كما مرَّ تفصيلُه-، وأنَّ ما وضع في مثل الكُلونيا ونحوها صار مُستَهلَكاً فيها، وتحوَّل إلى شيء آخر؛ وحينئذٍ لا يَشكُّ أحدٌ في طهارتها؛ فالرَّوائح العِطريَّة التي يُوضَع فيها الاسبيرتو، وهي نظيرُ ما يُستهلَكُ من النَّجاسات في المَصْبَنَة التي يُتَّخَذُ فيها الصَّابون، كما أنَّه ليس كُلُّ مُتخَمِّرٍ عند الحنفيَّة نَجِساً؛ بل الذي يَنْجُسُ بالتَّخَمُّر عندهم وعند مَنْ وافَقَهُم من الأئمَّة:

<<  <  ج: ص:  >  >>