ثانياً: أنَّ الخَمْر لمَّا نزل تحريمها أُريقَت في أسواق المدينة، ولو كانت نَجِسَة العَيْن لحَرُمَت إراقتها في طُرُق الناس كما يَحْرُم إراقةُ البَوْل في تلك الأسواق.
ثالثاً: أنَّ الخَمْر لمَّا حُرِّمت، لم يأمرهم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بغَسْل الأواني منها، كما أمرهم بغَسْل الأواني من لحوم الحُمُر الأهليَّة حين حُرِّمت، ولو كانت نَجِسَة العَيْن لأمرهم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بغَسْل أوانيهم منها.
وإذا تبيَّن أنَّ الخَمْر ليست نَجِسَة العَيْن، فإنَّه لا يجب غَسْل ما أصابته من الثياب والأواني وغيرها، ولا يَحرُم استعمالها في غير ما حَرُم استعمالها فيه، وهو الشُّرْب ونحوه ممَّا يؤدِّي إلى المفاسد التي جعلها الله مناط الحُكْم في التحريم.
فإن قيل: أليس الله تعالى يقول: {فَاجْتَنِبُوهُ}، وهذا يقتضي اجتنابه على أيِّ حال؟
فالجواب: أنَّ الله تعالى علَّل الأمر بالاجتناب بقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ} إلى آخر الآية، وهذه العِلَّة لا تَحصُل فيما إذا اسْتُعمِل في غير الشُّرْب ونحوه، فإذا كان لهذه الكُحول منافع خالية من هذه المفاسد التي ذَكَرَها الله تعالى عِلَّةً للأمر باجتنابه، فإنَّه ليس من حقِّنا أن نمنع الناس منها. وغاية ما نقول: إنَّها من الأمور المُشْتَبِهَة، وجانب التحريم فيها ضعيف، فإذا دعت الحاجة إليها زال ذلك التحريم. وعلى هذا؛ فاستعمال الكُحول فيما ذكرتم من الأغراض لا بأس به إن شاء الله تعالى؛ لأنَّ الله تعالى خَلَقَ لنا ما في الأرض جميعاً، وسخَّر لنا ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه. وليس لنا أن نتحَجَّر شيئاً ونمنع عباد الله منه إلَّا بدليل من كتاب الله تعالى أو سُنَّة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-.