للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فخاره، مع أن أهل الحسب (١) أنزه بهممهم عما يشين، وكذلك الكبير السن أتم عقلاً، وأقدم إيماناً، وقد قال - عليه السلام -: " لِيَلينِّى منكم أولو الأحلام والنهى " (٢) فمن جمع هذه الخصال صلح لخلافته الكبرى فكيف الصغرى؟

وأما قوله فى الحديث الآخر: " وليؤمكم (٣) أكبركُمُ " فذلك - والله أعلم - فيما قيل لعلمه باستوائهم فى القراءة والفقه، لوفودهم معاً وتعلمهم عنده عشرين يوماً معاً وقد جاء مفسراً فى الحديث نفسه من الرواية الأخرى. قال: وكانوا متقاربين فى القراءة كذلك.

وأما قوله فى الحديث الآخر: " وليؤمكم أكبركُم " ووجه الجمع بين هاتين الروايتين من قول مالك بن الحويرث فى الحديث الأول: " وفدنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ناس [ونحن] (٤) شببة متقاربون " وفى الآخر: " وفدت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا وصاحب لى " أن يكونا حديثين فى وفادتين - والله أعلم.

وقوله: " ولا يؤمن الرجل فى سلطانه ولا يقعد على تكرمته إِلا بإذنه " جاء فى الحديث تفسير " تكرمته ": فراشه. وفيه حجة على أن الإمام من السلطان أو من جُعل له الصلاة أحق بالتقدم حيث كان من غيره. قال الخطابى: وهذا فى الجمعات والأعياد، لتعلقها بالسلاطين، فأما فى الصلوات المكتوبات فأعلمهم أولاهم.

قال القاضى: هذا ما لا يوافق عليه، والصلاة لصاحب السلطنة حقٌّ من حقه وإن حضر [من هو] (٥) أفضلُ منه وأفقه (٦)، وقد تقدم الأمر من عهد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن بعدهم على من تحت أيديهم وفيهم الأفضل. وقد ذكر شيوخنا: أن الإمام على الجملة أولى بالصلاة دون تفضيلٍ فى وجهٍ، وحكى الماوردى قولين فى الأحق هو أو رب المنزل إذا اجتمعا؟ ثم صاحب المنزل أحق من زائره؛ لأنه سلطانه، وموضع تدبيره، ولا خلاف يُعلمُ فى هذا، مع نص الحديث فيه، إِلا أن يأذن صاحب المنزل للزائر. ويستحب له إن حضر من هو أفضل منه أن يُقَدِّمه. قال الخطابى: وكذلك إمام مسجد قومه وقبيلته.


(١) فى ت: الحسيب.
(٢) أبو داود فى السنن، ك الصلاة، ب من يستحب أن يلى الإمام فى الصف وكراهيته التأخير ١/ ١٥٦، وابن ماجه فى الإقامة، ب من يستحب أن يلى الإمام (٩٧٦)، والنسائى، ك الإمامة، ب من يلى الإمام ثم الذى يليه (٨٠٧)، وأحمد فى المسند ٤/ ١٢٢ جميعاً عن أبى مسعود.
(٣) ما فى المطبوعة: " ثم ليؤمكم " كما سبق. وفى طريق آخر: " وليؤمكما أكبركما ".
(٤) ساقطة من الأصل واستدركت بالهامش.
(٥) من ت.
(٦) حيث إن الإمامة والملك والسلطان فى المسلمين قربة وعبادة، والإمام فى الأمة والسلطان والحاكم قائم مقام رسولها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويقودهم إلى المكرمات. راجع: منهج السنة فى العلاقة بين الحاكم والمحكوم: ٣٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>