للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(٣٤) باب المسكين الذى لا يجد غنى ولا يفطن له فيتصدق عليه]

١٠١ - (١٠٣٩) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا المُغِيرَةُ - يَعْنِى الحِزَامِىَّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ليْسَ المِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الذِى يَطُوفُ عَلى النَّاسِ، فَتَرُدُّهُ اللقْمَةُ واللقْمَتَانِ، والتَّمْرَةُ والتَّمْرَتَانِ ". قَالوا: فَمَا المِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللهِ؛ قَالَ: " الذِى لا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَليْهِ، وَلا يَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئًا ".

ــ

وقوله: " ليس المسكين بهذا الطواف " الحديث، قال الإمام: قال محمد بن سلام: قلت ليونس: ما [الفرق] (١) بين الفقير والمسكين؟ فقال: الفقير الذى يجد القوت، والمسكين الذى لا شىء له. وقال ابن عرفة: الفقير عند العرب: المحتاج، قال الله تعالى: {أَنتُمُ الْفقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} (٢)، أى المحتاجون، والمسكين: الذى قد أذله الفقر، فإذا كان هذا إنما مسكنته من جهة الفقر حلت له الصدقة وكان فقيراً مسكيناً، وإذا كان مسكيناً قد أذله شىء سوى الفقر فالصدقة لا تحل له، إذ كان شائعاً فى اللغة أن يقال: ضرب فلان المسكين، وظلم فلان المسكين، وهو من أهل الثروة واليسار، وإنما لحقه اسم المسكين من جهة الذلة، فمن لم تكن مسكنته من جهة الفقر فالصدقة له حرام، وقد سمى الله تعالى من له الفلك مسكيناً، فقال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} (٣). قال الشافعى: الفقراء: هم الزمنى الذين لا حرفة لهم، وأهل الحرف الذين لا تقع حرفتهم من حاجتهم موقعاً، والمساكين: السوال، من له حرفة تقع موقعاً ولا تغنيه وعياله.

قال القاضى: اختلف أهل اللغة والفقهاء فى المسكين والفقير، أيهما أشد فاقة؟ وفيه الحض على ارتياد الأولى بالصدقات والأحوج، وليس فى هذا الحديث من قوله: " ليس المسكين بهذا الطواف "، نفى المسكنة - عنه، وأنه ممن لا تحل له الصدقة، وإنما أراد المبالغة فى المسكنة فى غيره، كما قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب} الآية (٤)، وقال - عليه السلام -: " ليس الشديد بالصرعة " (٥) أى أن المسكين الكامل المسكنة هو الآخر المتعفف الذى لا يسأل ولا يفطن له فيتصدق عليه. وأما الطواف فطوافه كالكسب له.


(١) فى هامش الأصل.
(٢) فاطر: ١٥.
(٣) الكهف: ٧٩.
(٤) البقرة: ١٧٧.
(٥) صحيح البخارى، ك الأدب، ب الحذر من الغضب.

<<  <  ج: ص:  >  >>