للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٥ - (٢٥٤) حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ غَيْلانَ - وهُوَ ابْنُ جَرِيرٍ الْمَعْوَلِىُّ - عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى؛ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَرَفُ السِّوَاكِ عَلَى لِسَانِهِ.

٤٦ - (٢٥٥) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنَّ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ لِيَتَهَجَّدَ، يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ.

ــ

قوله: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّه} (١)، وهى مسألة اختلف فيها أرباب الأصول أيضاً (٢).

وقوله: " يشوصُ فاهُ بالسواك إذا قام يتهجد " (٣)، قال الإمام: الشوص أن يستاك عرضًا، وكذلك المَوْصُ، قال: وقد قال قائل لأعرابيةٍ: اغسلى ثوبى، قالت: نعم


(١) النساء: ١٠٥. ووجه الاستدلال هنا أنه جعل سبب عدم الأمر ما رآه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المشقة لا النص. إكمال الإكمال ٢/ ٣٣.
(٢) ذهب أحمد بن حنبل والقاضى أبو يوسف إلى أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان متعبدًا بالاجتهاد فيما لا نصَّ فيه، وجوَّز ذلك الشافعى فى رسالَتِه من غير قطع، وبه قال بعض أصحاب الشافعى والقاضى عبد الجبار، وأبو الحسين البصرى. قال الآمدى: ومن الناس من قال: إنه كان له الاجتهاد فى أمور الحروب دون الأحكام الشرعية من ذهب إلى تجويز الاجتهاد له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على العموم استدلوا بقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} [الحشر: ٢] حيث أمر جل جلاله بالاعتبار على العموم لأهل البصائر، والنبىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجلُّهم فى ذلك، فكان داخلاً فى العموم، وبقوله تعالى: {إِنَّا أنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: ١٠٥]، وما أراهُ يعمُ الحكم بالنص، والاستنباط من النصوص، وبقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩]، والمشاورة إنما تكون فيما يحكمُ فيه بطريق الاجتهاد لا فيما يحكم فيه بطريق الوحى، وأيضاً بقوله تعالى بطريق العتاب للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أسارى بدر: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: ٦٧]، وذلك يدلُّ على أن ذلك كان بالاجتهاد لا بالوحى، وبقوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} [التوبة: ٤٣] عاتبه على ذلك ونسبه إلى الخطأ، وذلك لا يكون فيما حكم فيه بالوحى، فلم يبق سوى الاجتهاد.
ومما استدلوا به من السنة قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تحريم مكة: " لا يختلى خلاها، ولا يُعضَدُ شجرُها "، فقال العباس: إِلَّا الإذخر - فقال - عليه الصلاة والسلام -: " إِلَّا الإذخر "، قالوا: ومعلوم أن الوحى لم ينزل عليه فى تلك الحالة. فكان الاستثناء بالاجتهاد.
وقد رد المانعين على ذلك بأن المراد بقوله تعالى: {بِمَا أَرَاكَ اللَّه}: أى بما أنزل إليك، وبالاعتبار الاتعاظ، والمراد بالمشاورة هو المشاورة فى أمور الحروب والدنيا، وكذلك العتاب، قالوا. وأمَّا عتابه فى أسارى بدر فلعله كان مخيرًا بالوحى بين قتل الكل، أو إطلاق الكل أو فداء الكل، فأشار بعض الأصحاب بإطلاق البعض دون البعض فنزل العتاب للذين عيَّنوا لا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن خبر الإذخر، فيحتمل أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مريدًا لاستثناء الإذخِر فسبقه به العباس.
راجع: المستصفى ٢/ ٣٥٦، أحكام الأحكام للآمدى ٤/ ٢٢، ٣٨.
(٣) فى المعلم: كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك.

<<  <  ج: ص:  >  >>