للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٢٣) باب من فضائل أبىّ بن كعب وجماعة من الأنصار رضى الله تعالى عنهم

١١٩ - (٢٤٦٥) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: جَمَعَ الْقُرآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ

ــ

وقوله: " جمع القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة "، وذكر معاذاً وأبيًّا وزيد بن ثابت وأبا زيد، قال الإمام: هذا الحديث مما ذكره بعض الملحدة فى مطاعنها وحاولت بذلك القدح فى الثقة بنقل القرآن، ولا مستروح لها فى ذلك؛ لأنا لو سلمنا أن الأمر كما ظنوه وأنه لم يكمل القرآن سوى أربعة، فإنه قد حفظ جميع أجزائه فيكون لا يحصون وما من شرط كونه متواتراً أن يحفظ الكل الكل، بل الشىء الكثير إذا روى عن جزء منه خلق كثير علم ضرورة وحصل متواتراً، ولو أن " قفا نبك " روى كل بيت مائة رجل مثلاً لم يحفظ كل مائة سوى البيت الذى روته لكانت متواترة، فهذا الجواب عن قدحهم.

وأما الجواب عن سؤال من سأل عن وجه الحديث من الاسلاميين، فإنه يقال له: قد علم ضرورة من تدين الصحابة - رضى الله عنهم - ومبادرتهم إلى الطاعات والقرب - التى هى أدنى منزلة من حفظ القرآن - ما يعلم منه أنه محال مع كثرتهم ألا يحفظه منهم إلا أربعة، كيف ونحن نرى أهل عصرنا يحفظه منهم ألوف لا تحصى مع نقص رغبتهم فى الخير عن رغبة الصحابة - رضى الله عنهم - فكيف بالصحابة على جلالة أقدارهم؟ هذا معلوم بالعادة.

ووجه ثان وهو: أنا نعلم أن القرآن كان عندهم من البلاغة بحيث هو، وكان الكافرون فى الجاهلية يعجبون من بلاغته ويحارون فيها، حتى ينسبوها تارة إلى السحر، وتارة إلى أساطير الأولين، ونحن نعلم من عادة العرب شدة حرصهم على الكلام البليغ وتحفظها له، ولم يكن لها شغل ولا صناعة (١) سوى ذلك، فلو لم يكن للصحابة باعث على حفظ القرآن سوى هذا، لكان من أدل الدلائل على أن الخبر ليس على ظاهره.

فإذا ثبت بهذين (٢) العادتين أن الخبر متأول، وثبت ذلك - أيضاً - بطريقة أخرى، وهى ما نقله أهل السير، وذكره أهل الأخبار؛ من كثرة الحافظين له فى زمان النبى - عليه الصلاة والسلام - وقد عددنا من حفظنا منهم وسمينا نحو خمسة عشر صاحباً، ممن نقل


(١) فى ح: صنعة.
(٢) فى ح: بهاتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>