للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(٩) باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال]

٢٩ - (١٦٧٩) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِى شَيْبَةَ ويحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ - وَتَقَارَبَا فِى اللَّفْظ - قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّاب الثَّقَفِىُّ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابن أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِى بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ". ثُمَّ قَالَ: " أَىُّ شَهْرٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ.

ــ

وقوله - عليه السلام -: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم؛ ثلاث متواليات " الحديث، قال الإمام - رحمه الله -: تأويل قوله: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض " لأنهم كانوا تمسكوا بملة إبراهيم - عليه السلام - فى تحريم الأشهر الحرم، وكانوا ينسبون الشهر الحرام إلى الذى يليه إذا احتاجوا إلى القتال فيه، وينتقلون هكذا من شهر إلى آخر حتى اختلط الأمر عليهم، فصادفت حجة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحريمهم، فلو طابق الشرع وكانت فى تلك السنة حرموا ذا الحجة بالاتفاق على الحساب الذى قلناه، فأخبر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الاستدارة صادفت حكم الله - سبحانه - يوم خلق الله السماوات والأرض.

وقيل: كانت العرب تحج عامين فى ذى القعدة وعامين فى ذى الحجة، فصادفت حجة أبى بكر ذا القعدة من السنة الثانية وصادفت حجة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذا الحجة؛ فلهذا أشار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالاستدارة. وذكر أبو عبيد أنهم كانوا ينسئون - أى يؤخرون - وهو الذى قال الله - سبحانه وتعالى -: {إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْر} (١)، فربما احتاجوا إلى الحرب فى المحرم فيؤخرون تحريمه لصفر، ثم يحتاجون تأخير صفر إلى ربيع، هكذا شهرًا بعد شهر. فقام الإسلام وقد رجع المحرم إلى موضعه، فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قال. قال: وزعم بعض الناس أنهم كانوا يستحلون المحرم عاماً ويردونه فى قابل إلى تحريمه. قال: والتفسير الأول أحب إلى لأنه ليس فى هذا استدارة.

قال الإمام - رحمه الله -: وقد وقفت للخوارزمى على تأويل لهذا الحديث، غره فيه ما قد سبق إليه من علم التنجيم، فقال: إن الله - سبحانه وتعالى - أول ما خلق الشمس


(١) التوبة: ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>