للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(٨٠) باب إثبات رؤية المؤمنين فى الآخرة ربهم سبحانه وتعالى]

٢٩٦ - (١٨٠) حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، وَأَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعاً عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ - وَاللَّفْظُ لأَبِى غَسَّانَ - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجوْنِىُّ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: " جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ، فِى جَنَّةِ عَدْنٍ ".

ــ

وقوله: " وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداءُ الكبرياء على وجهه " قال الإمام: كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخاطبُ العرب بما تفهم ويخرج لهم الأشياء إلى الحِسّ حتى يقرب تناولهم لها، فعبَّر عن زوال الموانع ورفعِه عن الأبصار بذلك.

قال القاضى: كانت العرب تستعمل فى كلامها الاستعارة كثيراً، وهو أحد أنواع مجازات كلامها وأرفع أبواب بديع فصاحتها وإيجازها، وهو التجوز باللفظة ونقلها عن أصل موضوعها واستعمالها فى غيره مما له به شَبه استعمال الموضوع. ونحا الرُّمانى (١) إلى أنها نوع من التشبيه، إلا أنه بغير أداة، فالعرب تستعملها فى كلامها استعمال غيرها وتفهم المقصد بها، كما قال تعالى: {جَنَاحَ الذُّلِّ} (٢)، فمخاطبة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم برداء الكبرياء على الوجه وشبهه من المشكلات من هذا المعنى، ومن لم يفهم مقاصد العرب وكلامهم ممن غلبت عليه العُجَمةُ تاه فى هذه الْمهمة، فمن بليد محضٍ أجرى الأمر على ظاهره، فقال بالتجسيم والتشبيه، وممن خضرَم فى النباهَة استهول ظواهرَها ولم تتضح له وجوهها لجهله بكلام العرب ومنازعهم (٣) فإمَّا كَذَّب بالأصل كالمُعَطِّلة، أو كذب بهذه الآثار وأطرَحها وجهَّل نقلتها كالمعتزلة، فاستعار صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعظيم سلطان الله وكبريائه وعظمته وهيبته وجلاله المانع من إدراك أبصار البشر ذاته لضعفها عن ذلك، حتى إذا شاء ذلك قوَّى أبصارهم، وثبَّت عقولهم، وشجَّعَ أنفسهم، وربط على قلوبهم، وكشف عنهم حجب هيبته وموانع عظمته، فاحتملوا رؤيته واستقروا لمشاهدته. فعبَّر عن ذلك برداء الكبرياء كما عبَّر الشارع عن أشياء كثيرة من قوله: " فليخفف الرداء يعنى الدّين ".


(١) هو أبو الحسن على بن عيسى بن على الرمانى النحوى المتكلم، أحد الأئمة المشاهير، جمع بين علم الكلام والعربية، وله تفسير القرآن الكريم، أصله من سر من رأى، توفى سنة أربع وثمانية وثلثمائه. وفيات الأعيان ٣/ ٢٩٩.
(٢) الإسراء: ٢٤، والمراد بجناح الذل هنا: التواضع.
(٣) فى الأصل: منازعتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>