للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(٣٦) باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هى صلاة العصر]

٢٠٣ - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى حَسَّانَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِىِّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الأَحْزَابِ: " شَغَلُونَا عَنْ صَلاةِ الْوُسْطَى حَتَّى آبَتِ الشَّمْسُ، مَلأَ اللهُ قُبُورَهُمْ نَارًا - أَوْ بَيُوتَهُمْ أَوْ بُطُونَهُمْ " شَكَّ شُعْبَةُ فِى الْبُيُوتِ وَالْبُطُونِ.

ــ

وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى آبت الشمس " وفى الرواية الأخرى: " حتى غابت " ومعناه: سارت للغروب، والتأويب سير النهار، ويكون " آبت " بمعنى بعدت، وهو فى هذا الموضع رجوع إلى مكانها بالليل، قاله الحربى.

قال الإمام: هذا فيه حجةٌ لمن يقول: إنها العصر، وقد اختلف الناس فى قوله تعالى: {وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} (١) ما المراد به؟ فقيل: الجمعة، وقيل: بل الصلوات الخمس كلها، وقال آخرون: بل الوسطى صلاة من الخمس. واختلفوا فى عينها، فقال مالك: هى الصبح، ووافقه ابن عباس (٢) وقال زيد بن ثابت: هى الظهر، وقال أبو حنيفة والشافعى: هى العصر، ووافقهما على بن أبى طالب (٣) - رضى الله عنه - وقال قبيصة ابن ذؤيب: هى المغرب، وقال غيره: هى العتمة.

وأما من قال: هى الجمعة، فإنه ضعيف؛ لأن المفهوم أن الإيصاء المحافظة عليها للمشقة، والجمعة صلاة واحدة فى سبعة أيام فلا يلحق فى حضورها مشقة فى الغالب، وكذلك يضعف قول من قال: إن ذلك جميع الصلوات؛ لأن أهل الفصاحة لا يذكرون شيئاً مفصلاً ثم يشيرون إليه مجملاً، وقد قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} فصرح بذكرها، وإنما يجمل الفصحاء الشىء ثم يصرحون به بعد ذلك. وأما وجه الأقوال الأخر فإنا نقول: ذِكْر الوسطى إما أن يراد به التوسط فى الركوع والسجود، أو فى العدد، أو فى الزمان، فأما الركوع والسجود فإن حكم الصلوات فيهما واحد، فهذا القسم لا يراعى الاتفاق عليه، وأما القسمان الآخران فإن راعينا منهما العدد أدى إلى مذهب قبيصة بن ذؤيب، فى أنها المغرب؛ لأن (٤) أكثر أعداد الصلوات أربع ركعات وأقلها اثنتان وأوسطها


(١) البقرة: ٢٣٨.
(٢) لو قال: ووافق فى ذلك ابن عباس كان أليق.
(٣) كذلك فإن الأليق والأدق هنا أن نقول: إن أبا حنيفة والشافعى وافقا عليًا - رضى الله عنه.
(٤) فى ت: لكن.

<<  <  ج: ص:  >  >>