للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٣٩) باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثاً

١١٦ - (١٠٤٨) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَسُعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ - عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لوْ كَانَ لابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا، وَلا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ تَابَ ".

ــ

وقوله: " لو كان لابن آدم واديان من مال " الحديث، وقول ابن عباس [فلا أدرى أمن القرآن هو أم لا؟ وقول أنس] (١): فلا أدرى أشىء نزل أم شىء كان، وقول أبى موسى أنه حفظها من سورة كانوا يشبهونها ببراءة، وأنه أنسيها، قال الإمام: يحتمل أن يكون إنما خص هذا العدد فقال: " واديان " ولم يقل ثلاثة أو أكثر؛ لأن أصول الأموال ذهب وفضة فعبر عن هذين الأصلين (٢).

قال القاضى: قد جاء فى رواية ابن أبى شيبة: " واديان من ذهب ".

قال الإمام: وأما قوله: " ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ": فإنه يحتمل أن يريد بالجوف القلب، وأنه لا يمل من محبة المال نحو ما تقدم من قوله: " قلب الشيخ شاب ": يحتمل أن يريد غير القلب، وأنه لا يشبع، ويُؤَيدُ ما تأولناه [من الاحتمال أن فى حديث بعد هذا: " لا يملأ فم ابن آدم "، وهذا يُشير إلى ما تأولناه] (٣) من أن المراد به [الأغذية، وفى حديث آخر: " لا يملأ نفس ابن آدم "، وهذا يشير إلى ما تأولناه من أن المراد به] (٤) المحبة، وما يكون بالقلب، وكأنه - عليه السلام - عبر تارة بما يختص بالوجه بأحد الوجهين، وعبر تارة بما يختص بالوجه الآخر، وعبر بالجوف عن اجتماعهما جميعاً، إذ الجوف محل الأغذية، ومحل القلب الذى فيه المحبة والشهوات.

قال القاضى: الأظهر فى هذا والذى قاله أكثر من تكلم على الحديث، والذى يقتضيه مَنْحَى الكلام ومقصده: أن المراد بالحديث حِرض (٥) القلب ورغبة النفس، لا الأكل وشهوة البطن؛ لأنه لم يجر للمطعوم هناك ذكر، إنما جرى ذكر المال والذهب. ولما كانت مُعظم جوارح الشهوات والرغبات فى الجوف، وفيه (٦) القلب الذى عنه يصدر الحرص والرغبة، والشّرهُ والأمل، أضاف ذلك إليه. وقد قيل: إن معنى " لا يملأُ جوف ابن آدم إلا التراب ": أى حتى يموت فيمتلئ تراباً، ويصير تراباً، وليقطع أمله، فعبّر


(١) من الحديث المطبوع.
(٢) فى ع: الصنفين.
(٣) سقط من س.
(٤) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش.
(٥) فى س: حرص.
(٦) فى س: وفيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>