وقوله: أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً ينهانا عن النذر، ويقول:" إنه لا يرد شيئًا "، وفى الحديث الآخر:" لا يقدم شيئًا ولا يؤخره "، وفى الحديث الآخر:" إنه لا يأتى بخير "، وفى الحديث الآخر:" لا يرد من القدر، وإنما يستخرج به من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج "، قال الإمام - رحمه الله -: ذهب بعض علمائنا إلى أن الغرض بهذا الحديث التحفظ على النذر والحفظ على الوفاء به. وهذا عندى بعيد من ظاهر الحديث، ويحتمل عندى أن يكون وجه النهى أن الناذر يأتى القربة مستقلاً لها لما صارت عليه ضربة لازم، وكل محبوس الاختيار كأنه لا يبسط للفعل ولا يبسط إليه نشاط مطلق الاختيار. فقد كره مالك - رحمه الله - أن ينذر الإنسان صوم يوم بعينه ويوقفه، وعلل قوله شيوخنا بمثل هذا للذى قلناه.
ويحتمل - أيضاً - أن يكون الناذر لما لم ينذر ما بذل من القربة إلا بشرط أن يفعل له ما يختار، صار ذلك كالمعاوضة التى تقدح زينة التقرب، ويذهب الأجر الثابت للقربة المجردة، وفى الحديث:" مَنْ عمل عملاً أشرك فيه غيرى فهو له "(١)، ويشير إلى هذا التأويل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إنه لا يأتى بخير "، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إن النذر لا يغنى من القدر شيئًا "، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إن النذر لا يقرب من ابن آدم شيئًا لم يكن الله قدره له، ولكن النذر قد يوافق القدر فيخرج بذلك من البخيل، ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج "،
(١) مسلم، ك الزهد، ب من أشرك فى غير الله ٤/ ٢٢٨٩، ابن ماجه، ك الزهد، ب الرياء والسمعة ٢/ ١٤٠٥، وأحمد ٢/ ٣٠١، كلهم عن أبى هريرة - رضى الله عنه.