للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٣) بَاب تَصْرِيفِ اللَّهِ تَعَالَى الْقُلُوبَ كَيْفَ شَاءَ

١٧ - (٢٦٥٤) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ الْمُقْرِئِ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، أَخْبَرَنِى أَبُو هَانِئٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِىَّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ قُلُوبَ بَنِى آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ ".

ــ

وقوله: " قلوب بنى آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء "، ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك "، قال الإمام: هذا تجوز وتوسع كما يقول القائل: فلان فى قبضتى وبكفى، ولا يريد أنه حال بكفه، وإنما المراد: تحت قدرتى. وكذلك يقال: ما أفعل هذا إلا بإصبعى، أو فلان بين إصبعى أصرفه كيف شئت. ولا يراد: أنه حال بين الإصبعين، وإنما يراد: أنه هين عليه القهر له والغلبة وتصريفه كيف شاء فكذلك المراد بقوله: " إصبعين من أصابع الرحمن " أى أنه متصرف بحسب قدرته ومشيئته سبحانه تعالى، لا يعتاض عليه ولا يفوته ما أراده، كما لا يعتاض على الإنسان ما كان بين إصبعيه ولا يفوته. وخاطب العرب من حيث تفهم ومثل بالمعانى المحسوسة تأكيداً للمعانى فى نفوسها.

فإن قيل: فإن قدرة الله - سبحانه - واحدة والإصبعان هاهنا اثنان. قيل: قد أخبرنا أن ذلك مجاز واستعارة وتمثيل، فوقع الكلام على حسب ما اعتادوه فى هذا الخطاب غير مقصود منه إلى تثنية أو جمع. ويحتمل أن يراد بالإصبع هاهنا: النعمة، ويقال: عندى لفلان إصبع حسن، أى يد جميلة، ولكن [لا] (١) يقال على هذا فلمَ ثنى النعمة ونعم الله لا تحصى آحادها، والأجناس قد تحصى، فيكون المراد بالنعمتين اللتين عبر عنهما بالإصبعين: نعمة النفع، ونعمة الدفع. فنعمة النفع هى الظاهرة، ونعمة الدفع هى الباطنة. وقد قيل فى قوله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (٢): أن الظاهرة نعمة النفع، والباطنة نعمة الدفع. وقلب العبد للبارى - سبحانه - عليه نعمة نفع ونعمة دفع، فلا يبعد أن يُراد بالنعمتين هاتان أو غيرهما من الأجناس التي تليق بهذا.


(١) من الرسالة.
(٢) لقمان: ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>