للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(٣٢) باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأن اليد العليا هى المنفقة، وأن السفلى هى الآخذة]

٩٤ - (١٠٣٣) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - فِيمَا قُرِئَ عَليْهِ - عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: - وَهُوَ عَلى المِنْبَرِ وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنِ المَسْأَلَةِ -: " اليَدُ العُليَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى، وَاليَدُ الَعُليَا المُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلى السَّائِلةُ ".

ــ

وقوله: " اليد العليا خير من اليد السفلى " وفسر فى الحديث العليا بالمنفقة، والسفلى بالسائلة، وقد جاء فى حديث آخر: العليا المتعففة (١) ورجحه الخطابى (٢) بحديث حكيم ابن حزام، ولقوله لما سمع هذا: ومنك يا رسول الله، قال: " ومنى "، فقال: والله لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً (٣). قال: ولا يتوهم على حكيم أن يعتقد أن يده خير من يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما فهم أنها المنفقة.

قال القاضى: هذا لا يظهر من الحديث ولا يبعد أن حكيماً إنما راعى ذلك فى حق غيره - عليه السلام - لا فى حقه، والنبى - عليه السلام - إنما عاب على حكيم كثرة السؤال؛ لأن فيه: فسألته فأعطانى ثلاث مرات، ثم قال: " إن هذا المال خضرة حلوة " وذكر الحديث. قال الخطابى: وفيه تأويل ثالث (٤)؛ أن السفلى المانعة، وذكر غيره أن العليا


(١) أبو داود، ك الزكاة، ب فى الاستعفاف، قال أبو داود: اختلف على أيوب عن نافع فى هذا الحديث، فقال عبد الوارث: اليد العليا المتعففة. وقال أكثرهم عن حماد بن زيد، عن أيوب: اليد العليا المنفقة، وقال واحد عن حماد: المتعففة ١/ ٣٨٤.
(٢) قال الخطابى: رواية من قال: " المتعففة " أشبه وأصح فى المعنى، وذلك أن ابن عمر ذكر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال هذا الكلام، وهو يذكر الصدقة والتعفف منها، فعطف الكلام على سببه الذى خرج عليه، وعلى ما يطابقه فى معناه أولى. معالم السنن للخطابى ٢/ ٢٤٣.
(٣) عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير أن حكيم بن حزام - رضى الله عنه - قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعطانى، ثم سألته فأعطانى، ثم قال لى: " يا حكيم، إن هذا المال خَضِر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبَارك له فيه، وكان كالذى يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى ". قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذى بعثك بالحق، لا أرْزأ أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا. قكان أبو بكر يدعو حكيماً ليعطيه العطاء، فيأبى أن يقبل منه شيئًا، ثم إن عمر دعاه ليعطيه فيأبى أن يقبله، فقال: يا معشر المسلمين، إنى أعرض عليه حقه الذى قسم الله له من هذا الفىء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى توفى.
البخارى، ك الوصايا، ب تأويل قول الله: {مِّنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَو دَيْنٍ} [النساء: ١٢] ٤/ ٦، ك الزكاة، ب الاستعفاف عن المسألة ٢/ ١٥٢، والنسائى فى الكبرى، ك الزكاة ٢/ ٥٥ برقم (٢٣٨٤).
(٤) معالم السنن للخطابى ٢/ ٢٤٣، ٢٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>