فأما التلقى، فإن النهى عنه معقول المعنى، وهو ما يلحق الغير من الضرر، ولكن يقدح هاهنا فى نفس المتأمل معارض فنقول: المفهوم من منع بيع الحاضر للبادى ألا يتلقى للبادى وأن يؤجر السبيل لغبنه، والمفهوم من النهى عن التلقى: ألا يغبن البادى، بدليل قوله هاهنا:" فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار ". والإشكال عن هذا: أنا كنا قدمنا أن الشرع فى مثل هذه المسألة وأخواتها بنى على مصلحة الناس، والمصلحة تقتضى أن ينظر للجماعة عن الواحد، ولا يقتضى أن ينظر للواحد على الواحد.
ولما كان البادى إذا باع بنفسه انتفع سائر أهل السوق، فاشتروا ما يشترونه رخيصًا وانتفع به سائر سكان البلد تضطر لأهل البلد عليه. ولما كان إنما ينتفع بالرخص المتلقى خاصة، وهو واحد فى قبالة الواحد الذى هو البادى، لم يكن فى إباحة التلقى مصلحة، لاسيما وتضاف إلى ذلك علة ثانية؛ وهى لخوف الضرر بأهل السوق فى انفراد المتلقى عنهم بالرخص، وقطع المواد عنهم أكثر من المتلقى فنظر لهم عليه، وعادت المسألة إلى المسألة الأولى، فصار واحدًا، وانقلب ما ظنه انطلق فى هذا من التناقض بأنه صارا مثلين يؤكد بعضها بعضًا. وقد اختلف المذهب عندنا فيمن لم يقصد التلقى ولم يبرز إليه خارج المدينة، بل مر به على بابه بعض البُداة، هل يشترى منه ما يحتاج إليه قبل وصوله إلى السوق؟ قيل بالمنع لعموم الحديث، وقيل: الجواز لأن هذا لم يقصد الضرر ولا الاستبداد دون أهل السوق، فلم يمنع، وقد جعل له فى بعض هذه الطرق هاهنا الخيار إذا جاء السوق ولم يفسخ البيع، لما كان النهى لحق الخلق لا لحق الله سبحانه.
وقوله: ثبت عنده هذه الزيادة، ورأى أن النهى يدل على فساد المنهى عنه فسخ البيع.