وقوله: والحديث الآخر: " أتى بتمر فجعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسمه وهو محتفز " بالزاى: مستعجل مستوف، وغير متمكن فى جلوسه، والاحتفاز: الاستيفاز، وفسره فى الرواية الأخرى بقوله:" مُقْعِياً "، والإقعاء: جلسة المستوفز على أطراف إليتيه، وهذا هو تفسير قوله:" أما أنا فلا آكل متكئاً " عند أبى سليمان الخطابى: أى متمكناً فى الجلسة من التربع وشبهه، والاعتماد على الوطاء الذى تحته، قال: وكل من استوى قاعداً على وطاء فهو: متكئ، ومعناه عنده: أى لا آكل أكل من يريد الاستكثار من الأطعمة، ويتمكن للقعود لها قعد مستوفز، أو أكل العلقة للضرورة، كما قال آخر الحديث:" بل آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد ".
وروى أنه - عليه السلام - كان يجلس إذا أكل مقعياً، وهو نحو قوله هنا:" مستوفزاً "، وإنذار الخطابى أن يكون تفسير الحديث: الاتكاء على الجانب، وهو تأويل أكثر الناس، وعلته عندهم وجهان:
أحدهما: أنه من شيم أهل الكبر والترفه.
والثانى: يخشى ضرره لأجل ضغط مجارى الطعام بضغط الجانب والأضلاع بالاتكاء.
وقوله:" ويأكل منه أكلاً ذريعاً ": أى كثيراً، وفى الرواية الأخرى:" حثيثاً ": أى مستعجلاً، وهو تفسير معنى الذريع الكبير المتقدم، أنه فى صفة الأكل، وحثه وكثرة استعجاله لاستيفازه لا كثرة المأكول؛ إذ لم يكن صفته - عليه السلام - الإكثار من الأكل، وقيل: إن هذا التمر لم يكن من الصدقة؛ لأكل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه، أو يكون استعجاله وإكثاره الأكل لحاجته إليه.