وذكر قصة داود وسليمان - عليهما السلام - فى المرأتين.
قوله: " بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنما ذهب بابنك. وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك. فذهبتا إلى داود - عليه السلام - فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان فأخبرتاه، فقال: ائتونى بالسكين أشقه بينكما. فقالت الصغرى: لا، يرحمك الله، هو ابنها. فقضى به للصغرى ": ويحتمل أن داود - عليه السلام - إنما قضى به للكبرى على مقتضى شرعنا إذ كان لا يخالفه، إما لكونه فى يدها أو يشبهها إن كان القضاء فى شرعه فى الإلحاق بالشبهة، وحكم سليمان بعد هذا التوسط والتلطف به للصغرى؛ لما رأى من إشفاقها بعد تعجيزه الكبرى بذلك وفضيحته لها؛ إذ لو كان ولدها لأشفقت عليه فيكون منها حينئذ لتلك الخجلة والفضيحة ما يوجب الاعتراف والتسليم، ومثل هذا يفعله نبهاء الحكام مالا استدلال بأمور لو تجردت لم يقضى بها فى شىء، لكن يقيم بها الحجة والإرهاب على المدعى حتى يستبين منه الاضطراب، ويضطر إلى الاعتراف، ورب قوى الشكيمة فى الباطل لا تنفع فيه رقية ولا حيلة.
وحكم سليمان - عليه السلام - فى القضية بعد حكم أبيه، قيل: لأن داود لم يكن أنفذ الحكم بعد. وظاهر الخبر خلافه لقوله: " فقضى به للكبرى "، ويحتمل أن يكون فتوى من داود - عليه السلام - لا حكماً، ويحتمل أن فى شرعهم نسخاً، فحكم الحاكم لحاكم آخر متى طلب ذلك بعض الخصوم، ويحتمل أنهما رضيتا بالتراجع وابتداء الحكم عند سليمان - عليه السلام - ويحتمل أن سليمان صنع ذلك بعد حكم أبيه ملاطفة، فلما حصل الاعتراف لزم الحكم به، كما إذا اعترف الخصم بعد الحكم عليه باليمين لإنكاره، فإن الحق يؤخذ منه.