للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(١٥) باب حديث التعليم فى الخطبة]

٦٠ - (٨٧٦) وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ ابْنُ هِلَالٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو رِفَاعَةَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَجُلٌ غَرِيبٌ، جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِيِنِهِ، لَا يَدْرِى مَا دِينُهُ. قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَىَّ، فَأُتِى بِكُرْسِىٍّ، حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا. قَالَ: فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِى مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّ آخِرَهَا.

ــ

وقوله: " فَأُتِىَ بِكُرسىٍّ، حَسِبْتُ قوائمه حديدًا فجلس عليه " (١) كذا للجلودى ولابن ماهان، وهو الصواب، وكذا ذكى ابن أبى خيثمة: " خِلْتُ "، وهو بمعنى حسبت، وقد فسره فى كتاب ابن أبى شيبة حميد فقال: أراه كان من عودٍ أسود فحسبته حديدًا. ووقع فى كتاب ابن الحذاء: " بِكُرسىٍّ خشب " قالوا: ويحتمل أنه تغيير من حسبت، وليس تبعد صحة هذه الرواية: لأنه موافق للرواية الأولى وذكر ابن قتيبة هذا الحديث وقال: " فيه بكرسى خُلْب " قال: وهو الليف، وهذا تصحيفٌ إنما هو خلت كما رواه ابن أبى شيبة، وبمعنى حسِبْتُ الذى رواه مسلم.

وقولهَ فى هذا الحديث: " رجل غريب يسأل عن دينه، لا يدرى ما دينه ": فيه التلطفُ فى سؤال العالم.

وقوله: " فأقبل علىَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وترك خطبته " وقوله: " فجعل يُعَلِّمنى مما علمه الله، ثم أتى خطبته ": فيه المبادرة إلى الواجبات، إذ سأل نبيَّه عن دينه، فلو تركه حتى يتم الخطبةَ والصلاة لعل المنية تخترمه؛ ولأن الإيمان على الفور. وفيه دليل أن مثل هذا كلَّه من التعليم والأوامر والنواهى فى الخطب لا يقطعها، وليس بلغو فيها، ولعلَّ جلوس النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الكرسى وتعليمه له لم يطل جدًّا، وإن طال فلعلة ابتداء الخطبة، كما قاله العلماء. وفيه جواز الجلوس على الكراسى، ولاسيما فى مثل ذلك وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دنا من المذكور ونزل عن المنبر، وترك القيام عليه، وجلس إليه ليقرب منه ويسائِله عن دينه، ويتمكن من مباحثته عنه، وارتفع على الكرسى ليسمع كلامه غيرُه ويشاهدوا محاورته إياه. وفيه إباحة الكلام فى الخطبة لأمر يحدث، وأنه غيرُ مفسد للخطبة (٢)، وكذلك جواز الإجابة له وإن ذلك ليس بلغوٍ، وقد تقدم من هذا. وقال الخطابى عن بعض العلماء: إن الخطيب إذا تكلم فى خطبته أعادها.


(١) الذى فى المطبوعة: فقعد عليه.
(٢) فى س: لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>