وذكر مسلم حديث المسابقة من الخيل المضمرة وغيرها. فيه جواز المسابقة بين الخيل وجواز تضميرها، وهذا مما لا خلاف فيه، وما كان فى الجاهلية فأقره الإسلام، وليس من باب تعذيب البهائم، بل من تدريبها للجرى وإعدادها لحاجتها والكر. واختلف هل من باب المباح أو من باب المرغب فيه والسنن.
ولا خلاف فى جواز المراهنة فيها وأنها خارجة عن باب القمار، لَكِنْ لذلك صور: أحدها متفق على جوازه، والثانى متفق على منعه، وفى الوجوه الأخر خلاف.
فأما المتفق على جوازه، فأن يخرج الوالى سبقاً يجعله للسابق من المتسابقين، ولا فرس له هو فى الحلبة فمن سبق له. وكذلك لو أخرج أسباقاً، أحدها للسابق، والثانى للمصلى، والثالث للتالى وهكذا، فهو جائز ويأخذونه على شروطهم. وكذلك إن فعل ذلك متطوعاً رجل من الناس ممن لا فرس له فى الحلبة؛ لأن هذا قد خرج من معنى القمار إلى باب المكارمة والتفضل على السابق، وقد أخرجه على يده بكل حال.
وأما المتفق على منعه، فأن يخرج كل واحد من المتسابقين سبقاً فمن سبق منهما أخذ سبق صاحبه وأمسك متاعه، فهذا قمار عند مالك والشافعى وأبى سفيان وجميع العلماء ما لم يكن بينهما محلل، فإن كان بينهما محلل فجعلا له السبق إن سبق ولا شىء عليه إن سبق، فأجازه ابن المسيب، وقاله مالك مرة، والمشهور منه أنه لا يجوز.
وقال الشافعى مثل قول ابن المسيب، قال: فإن سبق أحد المتسابقين أحرز سبقه وسبق صاحبه. وإن سبقا جميعاً كان لكل واحد منهما ما أخرج، وكانا كمن لم يسبق أحدهما صاحبه، وإن سبق المميز جاز السبقين. وسمى محللاً؛ لمقابلة السبق لتحليله السبق بدخوله لأنه علم أن المقصد بدخوله السبق فى المال. وإذا لم يكن بينهما محلل فمقصده بالمال والمخاطرة فيه، وقال محمد بن الحسن نحوه، وهو قول الزهرى والأوزاعى وأحمد وإسحاق.
ومن الوجوه المختلف فيها: أن يكون الوالى أو غيره ممن أخرج للسبق له فرس فى الحلبة فيخرج سبقاً على أن سبق يحبس سبقه، وإن سبق أخذه السابق. وأكثر العلماء يجيزون هذا الشرط، وهو أحد أقوال مالك وبعض أصحابه. وهو قول الشافعى والليث والثورى وأبى حنيفة، قالوا: إلا سباق على ملك أربابها، وهم فيها على شروطهم،