وقوله: " إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن " فيه: " وقل: اللهم إنى اسلمت نفسى إليك " الحديث: فيه ثلاث سنن:
إحداها: الوضوء للنوم مخافة أن يتوفاه الله على غير طهارة. وليكون أصدق لرؤياه وأبعد من تلعب الشيطان به فى منامه وترويعه، وليكون إن مات آخر عمله من الدنيا الطهارة وذكر الله، ولما جاء: أنه فى صلاة أو ذكر حتى يستيقظ. وقد اختلف العلماء فى مذهبنا وغيرهم، هل يستباح بهذا الوضوء صلاة أم لا؟ والصحيح أنه متى ما نوى بها ليكون على طهارة - كما قدمنا - فهو كنية رفع الحدث واستباحة ما يمنع منه، ويجوز له استباحة كل ما يمنع الحدث منه.
والثانية: النوم على الشق الأيمن، ففيها فى التيامن من البركة، وفى اسمه من الخير، واستعماله فى موارد الشرع، وأيضاً فإن فى نومه على شقه الأيمن حكمة لسرعة انتباهه، ولئلا يستغرقه النوم استغراقاً كلياً؛ وذلك أن النائم إذا نام كذلك كان قلبه - وهو فى جهة اليسار - قلقاً متعلقاً، فكان الانتباه إليه أسرع، والاستغراق منه أبعد. وإذا نام على شقه الأيسر كان مستقراً فى جنبه فيستغرقه النوم كثيراً، ولا ينتبه منه إلا بعد جهد.
الثالثة: ذكر الله تعالى عند النوم؛ ليكون خاتمة عمله، إذ هو أحد الموتتين، ومخافة أن يتوفى فى نومته تلك فيكون آخر كلامه كما قال فى الحديث الآخر (١): " واجعله من آخر ما تتكلم به ".
وقوله: " قل: اللهم، إنى أسلمت نفسى إليك " وفى الرواية الأخرى: " وجهى ": أى استسلمت وصيرتها منقادة لك، طائعة لحكمك. والوجه والنفس هنا بمعنى الذات، يقال: أسلم وسلم واستسلم سواء. " وألجأت ظهرى إليك " بمعنى: توكلت عليك واعتمدت فى أمرى عليك، كما يعتمد الرجل بظهره لما يسنده إليه.