للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٦) باب كراهة تمنى لقاء العدوّ، والأمر بالصبر عند اللقاء

١٩ - (١٧٤١) حدَّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِىُّ عَنِ المُغِيرَةِ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِىُّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا ".

ــ

وقوله: " لا تمنوا لقاء العدو، فإذا لقيتموهم فاصبروا ": فقيل: يستفاد معنى هذا من قوله تعالى: {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَد} (١).

قال الإمام: قد يشكل فى هذا المعنى أن يقال: إذا كان الجهاد طاعة فتمنى الطاعات حسن، فكيف ينهى عنه؟ قيل: قد يكون المراد بهذا أن التمنى ربما أثار فتنة أو أدخل مضرة، إذا سهل فى ذلك واستخف به، ومن استخف بعدوه فقد أضاع الحزم. فيكون المراد بهذا: أى لا تستهينوا بالعدو فتتركوا الحذر والتحفظ على أنفسكم وعلى المسلمين، أو يكون: لا تتمنوا لقاءه على حالة يشك فى غلبته لكم، أو يخاف منه أن يستبيح الحريم، أو يذهب الأنفس والأموال، أو يدرك منه ضرر.

قال القاضى: قال بعضهم: نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته عن تمنى المكاره؛ ولهذا قال السلف الصالح: العافية من الفتن والمحن لاختلاف الناس فى الصبر؛ ولهذا قال - متصلاً بقوله هذا فى الحديث: " واسألوا الله العافية ". ولذلك اختلفوا فى الدعاء إلى المبارزة، فروى عن على - رضى الله عنه - أنه قال: يا بنى، لا تدعون أحداً إلى المبارزة، ومن دعاك إليها فاخرج إليه، فإنه باغ، وقد تضمن الله - سبحانه وتعالى - نصر من بغى عليه. وقال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه العلم على جواز المبارزة.

والدعوة للبراز شرط بعضهم فيها إذن الإمام، وهو قول الثورى والأوزاعى وأحمد وإسحاق. وبعضهم أجازها مطلقاً ولم يشترط فيها أمر الإمام، وهو قول مالك والشافعى. واختلف فى ذلك قول الأوزاعى. وقال الحسن: أكره المبارزة ولا أعرفها (٢). واختلفوا هل يجوز أن يعين للمبارزة غيره فى أهل العسكر على مبارزة أم لا؟

وقوله فى هذا الحديث عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه كان لا يقاتل حتى تزول الشمس؛ وذلك


(١) التوبة: ٥.
(٢) انظر: الاستذكار ١٤/ ٣١٤، المغنى ١٣/ ٤٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>