قوله:" لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا فى حد من حدود الله "، قال الإمام: هذا خلاف مذهب مالك؛ لأنه يجيز فى العقوبات فوق هذا وفوق الحدود، لأن عمر - رضى الله عنه - ضرب من نقش على خاتمه مائةً، وضرب صبيعاً أكثر من الحد. وقد أخذ ابن حنبل بظاهر الحديث فلم يزد فى العقوبات على العشرة، وتأول أصحابنا الحديث على أنه مقصور على زمان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه كان يكفى الجانى منهم هذا القدر، وتأولوه - أيضاً - على أن المراد بقوله:" فى حد من حدود الله "؛ لأن المحرمات كلها من حدود الله. وقال أبو حنيفة: لا يبلغ فى التعزير أربعين، وقاله الشافعى، وقال أيضاً: لا يبلغ عشرين لأنه أدنى حدود العبد فى الخمر. فقال بعضهم: لا يبلغ ثمانين (١).
قال القاضى: فظاهر هذا الحديث من أصحابنا أشهب فى بعض الروايات عنه، واحتج بالحديث. وقد اختلف مذهب مالك وأصحابه فى ذلك، فالمشهور عنه وعنهم ما تقدم، وأن ذلك يوكل إلى اجتهاد الإمام، وبقدر جرم الفاعل وشهرته بالفسق وإن كثر جداً، ونحوه عن أبى يوسف وأبى ثور والطحاوى. وروى عن محمد بن الحسن مثله، قال: وإن بلغ ألفاً. وروى عنه مثل قول أبى حنيفة. وروى عن مالك فى الضرب فى التهمة فى الخمر والفاحشة خمسة وسبعين سوطاً، لا يبلغ به الحد، وقد مال إليه أصبغ من أصحابنا، ونحوه لمحمد بن مسلمة، قال: لا أرى أن يضرب السلطان فى الأدب مثل الحدود، ولا يبلغ به الحد أبداً، ونحوه لابن أبى ليلى وأبى يوسف، قال: أقله خمسة وسبعون. وروى عن عمر: لا يبلغ فى تعزير أكثر من ثمانين. وروى عن ابن أبى ليلى - أيضاً - وابن شبرمة: لا يبلغ مائة ويضرب ما دونها. وروى عن الشافعى سوى ما تقدم