وقوله:" تنفى شرارها كما ينفى الكير خبث الحديد " وذكر أيضاً خبث الفضة، وخبثهما هو ما يخرج النار من قناهما وتخلصه منهما، الأظهر هنا أنه فى زمن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه كان لا يصبر على الهجرة والمقام معه، إلا من ثبت إيمانه، وأما المنافقون وجهلة الأعراب ومن آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه، فلا يصبرون على شدة المدينة ولا يحتسبون أجرهم فى ذلك، أولئك شرار الناس وخبثاؤهم، كما جرى للأعرابى فى الحديث الآخر لما أصابه وعك الحمى بها، واستقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بيعته ولم يقلها النبى - عليه السلام - لأنه لا يحل ذلك، ولا يجوز للمهاجر أن يترك هجرته ويرفض بيعته على ذلك، وقد لعن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فعل ذلك، وارتدَّ أعرابياً بعد هجرته، وهذا الأعرابى - والله أعلم - كان ممن بايع على المقام معه فيها، ولذلك ما سأله الإقالة من ذلك، وهذا أظهر الوجوه، وقيل: يحتمل أنه كان بعد الفتح وسقوط الهجرة، وإنما استقال من الإسلام فلم يقله النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إذ لا تحل الرجعة إلى الكفر بعد الإيمان، ولا يسوغه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأحد، وفى قصته ضرب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا المثل لمن خرج من المدينة، ولم ينتظر الإذن والإباحة، فدل على خبث طويته وضعف دينه. والوعك: الحمى، وما يوجد من الألم لها، ووعك كل شىء معظمه وشدته. وسيأتى الكلام على الهجرة وبيعة الأعراب فى الجهاد.
وقوله:" أمرت بقرية تأكل القرى ": أى أمرت بالهجرة إليها وسُكناها. و " تأكل القرى " قيل: منها تُفتح، وقيل: منها يكون أكلها لما جلب من فى القرى المفتتحة إليها