وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة فى جداره "، قال الإمام: اختلف المذهب عندنا، هل هذا النهى على الإلزام أم على الندب؟ فالمشهور عندنا أنه على الندب، والحث على حسن الجوار، وقيل: بل هو على الإلزام، وبين أهل الأصول اختلاف فى الأصل، قد تقدمت الإشارة إليه. وقد قال بعض أهل العلم: يحتمل أن يكون الضيعة من جداره عائداً على الجار، فكأنه قال: لا يمنع أحد جاره أن يغرز خشبة فى ملك نفسه، وهذا التحيل فى التأويل لئلا يكون فيه حجة على القول المشهور.
قال القاضى: وبأنه على الإلزام قال الشافعى وأحمد، وبأنه على الندب قال الكوفيون.
قوله:" خشبة ": رويناه فى غير الأم وغيرها بوجهين؛ بلفظ الإفراد، و" خشبه " بلفظ الجمع. قال عبد الغنى: كان الناس يقوله بالجمع إلا الطحاوى.
وقال روح بن الفرج: سألت أبا زيد الحارث بن بكير ويونس وكلهم يقوله: " خشبة " بالإفراد.
وقوله:" مالى أراكم عنها معرضين ": حجة للندب؛ لأن الصحابة - رضى الله عنهم - لا تعرض عن واجب، لكن لما فهموا الندب تساهلوا. قال الباجى: ويحتمل أن مذهب أبى هريرة الندب؛ إذ لو كان عنده للوجوب لوبخ الحكام على تركه، ولحكم به لأنه كان مستخلفاً بالمدينة.
واختلف إذا احتاج الإذن بجداره لمنفعة له فيه أيحل له إزالته، أو حكم لزمه وإن كان لغير حاجة، بل لإرادة الضرر، فلم يختلف أن ليس له ذلك؛ لأنه لا يرجع فيما أبيح، إلا أن يكون أباحه عارية لأمد انقضى.
وقوله:" لأرمين بها بين أكتافكم ": قال القاضى: " أكتافكم " هو بالتاء المثناة من