ولما كان الفتح، وأظهر الله الإسلام على الدين كله ودحر عدوه واعتز أهله - سقط فرض الهجرة، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لا هجرة بعد الفتح "، وقال:" مضت الهجرة لأهلها "، أى لهؤلاء الذين خرجوا من ديارهم وأموالهم، وفارقوا أهليهم لمواساة أهليهم، ومؤازرته، ونصر دينه، وضبط شريعته، والفرار بدينهم ممن يفتنهم. ولم يختلف فى وجوبها على أهل مكة قبل الفتح، واختلف فى غيرهم، فقيل: لم تكن على غيرهم واجبة لكن ندباً ومرغباً فيها. ذكره أبو عبيد فى كتاب الأموال واستدل بالحديث الذى يأتى بعد هذا.
وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأعرابى عن الهجرة:" إن شأنها لشديد "، ولم يأمره بها ويحضه على التزام إبله، ولأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمر الوفود عليه قبل الفتح بالهجرة، وقيل: إنما كانت الهجرة واجبة على من لم يسلم جميع أهل بلده؛ لئلا يبقى فى طوع أحكام الشرك ودولة الكفر وخوف الفتنة.