قال القاضى: وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الجهاد فى سبيل الله أنه أفضل الأعمال: بذلك تظاهرت الآثار وصحت الأخبار.
وقوله للذى سأله فى تكفير خطاياه إن قتل فى سبيل الله. قال:" نعم، إن قتلت وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ": فيه أن الأجر فى ذلك لمن صدقت نيته، واحتسب أجره ولم يقاتل حمية، ولا طلب دنيا، ولا طلب ذكر وثناء، وأن من قُتل مدبراً فإنه ليس له من هذا الأجر شىء.
وقوله:" إلا الدين ": فيه تنبيه على أن حقوق الآدميين والتبعات التى للعباد لا تكفرها الأعمال الصالحة وإنما تكفر ما بين العبد وربه، ويكون هذا فيمن له بقضاء ما عليه من الدين وأتلفه على ربه عن علم أو عزة من ذمته وملائه، واستدانه (١) فى غير واجب، وتحذيراً وتشديداً لمن يسارع لإتلاف أموال الناس بهذا الوجه.
وقد يحتمل أن هذا كان أولاً، وقيل: قوله: " من ترك ديناً أو ضياعاً فعلى "، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تكفل بمن مات من أمته وعليه دين معسراً، وتحمل دينه وعياله، مما أفاء الله عليه من المغانم، إذ فيها حث فى قضاء دين المعسر والنفقة على العيال أو من احتاج. وقيل: قوله هذا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناسخ لما تقدم، وليس بصحيح، وإنما هو بيان لانتقال الحال وتبديل أمر المسلمين من العسر إلى حكم اليسر بما فتح الله عليهم، وقد قيل: إن هذا مما يحتمل