وقوله:" لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان "، قال الإمام: قال الحذاق من الأصوليين: إن هذا جارٍ مجرى التنبيه بالشىء على ما فى معناه، وأن المراد بذكر الغضب هاهنا: العبارة عن كل حال تقطع الحاكم عن السداد، وتمنع من استيفاء الاجتهاد؛ كالشبع المفرط الموقع فى القلق، وجمود الفهم، وكالجوع المفرط المؤدى إلى موت الحس وانحلال الذهن، وكالردع العظيم المشتغل للنفس المغير للحس، وكالحزن الشديد المؤدى إلى نحو من ذلك، إلى غير ذلك مما يطول العداد.
وإنما نبه عن الغضب لأنه أكثر ما يعرض للحاكم، لأنه لا بد مع مراجعته العوام أن تقع منهم الهفوة وتسمع منهم الجفوة؛ فلهذا خص بالذكر.
وإن عورض هذا الحديث بحديث شِرَاج الحرة وأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكم بعد أن أُغْضِبَ، قيل: هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معصوم، وأيضاً. فلعله علم الحكم قبل أن يغضب، وأيضاً فلعله لم ينته الغضب به إلى الحد القاطع عن سلامة الخواطر.