للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(٥) باب من اعترف على نفسه بالزنى]

١٦ - (...) وحدّثنى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، قَالَ: حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ عَوْفٍ وَسَعِيدِ بْن الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِى الْمَسْجِدِ، فَنَادَاهُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى زَنَيْتُ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ. فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى زَنَيْتُ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ، حَتَّى ثَنَى

ــ

وقول الرجل للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إننى زنيت، وإعراض النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه حتى بين ذلك عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " أبك جنون؟ " قال: لا. قال: " هل أحصنت؟ " قال: نعم. قال: " اذهبوا به فارجموه ": اختلف الناس فى المقر بالزنا، هل يرجم بإقراره مرة واحدة، لقوله: " فإن اعترفت فارجمها "، ولم يقيد بعدد؛ ولأن القول الثانى فى معنى الأول، هو مذهب مالك. أم لا يرجم حتى يقر أربع مرات، على ما قال بعض العلماء (١). واشترط بعضهم أن يكون فى أربعة مجالس، ولم يشترط ذلك بعضهم. وتعلق بعضهم فى التقييد بهذا العدد بما وقع فى هذا الحديث من ذكر أربع مرات، وبغيره من الألفاظ التى وقعت فى بعض طرقه، وقياساً على عدد الشهود، وأنه قد طلب فى اللعان التكرير.

قال القاضى - رحمه الله -: وقوله: " أبك جنون؟ " استبراء لحاله، وإنكار أن يلح عاقل بالاعتراف، لعل كلامه مع ما رأى من إعراض النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه وإرادته الستر عليه. وقيل مردود النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له لاستبرائه لحاله؛ ولهذا قال: " أبك جنون؟ "، أو لعله يرجع عن قولته، أو لأنه سمعه منه ولم يكن منه حينئذ غيره، أو لئلا يتم الشهادة عنده أربعاً عند من قال ذلك. وجاء فى الحديث الآخر أنه سأل قومه عنه، فقالوا: ما نعلم به بأساً. وهذا مبالغة فى الاستبراء. وحجته أن إقرار المجنون فى حال جنونه لا يلزم، وأن الحدود عنه حينئذ ساقطة، وهو مما أجمع عليه العلماء. وقد رأى على وعمر - رضى الله عنهما - فيمن يجن أحياناً أنها شبهة يدرأ بها الحدود، لعل ما فعله ما كان حين ذلك.


(١) انظر: الاستذكار ٢٤/ ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>