للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(١٢) باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه]

٤١ - (٢٧٠٢) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ، جَمِيعًا عَنْ حَمَّادٍ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنِ الأَغَرِّ الْمُزْنِىِّ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِى، وِإِنِّى لأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِى الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ ".

ــ

وقوله: " إنه ليغان على قلبى، وإنى لأستغفر الله فى اليوم مائة مرة "، قال الإمام: قال أبو عبيد: يعنى أنه يغشى (١) القلب ما يلبسه، يقال غُينت السماء غينًا وهو إطباق الغيم السماء [والغيم] (٢) والغين واحد.

قال القاضى: قيل: ذلك عبارة عن الفترات والغفلات عن الذكر الذى كان دأبه فيستغفر منه؛ إذ كان أبداً فيمن يدمن ذلك، فرأى الغفلة عنه ذنبًا. وقيل: ذلك الغين همه بسبب أمته، وما اطلع عليه من أحوالها بعده، حتى يستغفر لهم. وقيل: إن ذلك لما يشغله عن عظيم مقامه من النظر فى أمور أمته ومصالحهم، ومجابهة (٣) عدوه، ومداراتهم للاستئلاف، فيرى شغله لذلك - وإن كان من أعظم الطاعات وأفضل الأعمال - نزولاً عن علىِّ درجته، ورفيع مقامه، من حضوره بهمه كله مع الله، ومشاهدته عنده، وفراغه عن غيره إليه، وخلوصه له عمن سواه، فيستغفر (٤) لذلك. وقيل: قد يكون هذا الغين السكينة التى تغشى قلبه، لقوله تعالى: {فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} (٥). واستغفاره إظهار للعبودية والافتقار وملازمة الخضوع، شكراً لما أولاه به.

قال المحاسبى: خوف الملائكة والأنبياء خوف إعظام، وإن كانوا آمنين من عذاب الله. وقيل: يحتمل أن يكون حال خشية وإعظام يغشى القلب، ويكون استغفاره هذا على ما تقدم شكراً وإعظامًا، ولا يعتقد أن استغفاره لأجل الغين، بل ذكر الغين قصة، والاستغفار أخرى غير مرتبطة بها، وعليه يدل حديث مسلم: " إنى ليغان على قلبى، وإنى لأستغفر الله " كما قال (٦) فى الحديث الآخر: " أيها الناس، توبوا إلى الله، فإنى أتوب إليه فى اليوم مائة مرة "، وكما كان يقول فى سجوده: " أستغفرك وأتوب إليك " بتأول القرآن.


(١) فى ح: يتغشى.
(٢) فى هامش ح.
(٣) فى ح: محاربة.
(٤) فى ح: فيستغفره.
(٥) التوبة: ٤٠.
(٦) فى ح: جاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>