للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(١٤) باب جواز هبتها نوبتها لضرتها]

٤٧ - (١٤٦٣) حدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَى أَنْ أَكُونَ فِى مِسْلاخِهَا منْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، مِنِ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ. قَالَتْ: فَلَمَّا كَبِرَتْ جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِى مِنْكَ لِعَائِشَةَ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَاَئِشَةَ يَوْمَيْنِ: يَوْمَهَا، وَيَوْمَ سَوْدَةَ.

ــ

وقوله فى حديث سودة وقول عائشة: " أن أكون فى مسلاخها ": أى فى جلدها، وحقيقة ذلك أن تكون هى؛ لأن أحداً لا يكون فى جلد غيره ولا فى غير جلده.

وقوله: " من امرأة فيها حدة ": من هنا للسان واستفتاح الكلام، والخروج من وصف إلى مخالفه، ولم ترد عائشة بهذا عيبتها، إذ لم تقصد تنقيصها، بل كثير من الناس يتفاخر بها ويحسبها رجلة، وضدها فسولة وضعة، وخير الأمور أوساطها.

وقولها: " فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة ": فيه جواز مثل هذا؛ لأنه حقها، وجائز أن تأخذ منه على هذا مالاً، لتهب حقها فى الوطء أو تعطيه، على أن يمسكها كيف شاء، من أثرة أو غير أثرة، وهو معنى قوله تعالى: {وَإِن امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} الآية (١). واحتج به ابن المنذر أن قسم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنما كان مُيَاوَمَة، وأنه سنة لا تخالف، وقد تقدم الكلام فيه، وليس ببين.

وفيه أن القسم من حق المرأة، ولها إسقاطه، وأن تراضى الضرات بالتفاضل بينهن جائز عليهن، ومباح للزوج لا حرج عليه فيه، ولا يدخل فى النهى لانه حقها وهبته، لكن لها عند مالك الرجوع فيه متى شاءت، وللزوج - أيضاً - ألا يرضى بجعل يومها لمن وهبته له من ضراتها.

وقوله: " فكان يقسم لعائشة يومين: يومها ويوم سودة ": لا يفهم منه توالى اليومين على ظاهر اللفظ، بل يومها المعلوم ويوم سودة المعلوم، كان ثالثاً فى القسم أو رابعاً، إلا أن تكون كانت تالية لعائشة أو سابقة، فيكون متوالياً، ويحتمل ذلك لأنهما متواليتين فى زواجه لهما، على خلاف من هى منهما قبل صاحبتها، على [ما] (٢) نذكرهُ بعد هذا، فيحتمل أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجرى القسم وترتيبه على رتبة تقدمهن فى النكاح وتواليهن - والله أعلم.


(١) النساء: ١٢٨.
(٢) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>