وقوله:" إن رحمتى تغلب غضبى "، وفى الرواية الأخرى:" سبقت رحمتى غضبى "، قال الإمام: غضب الله عز وجل ورضاه يرجعان إلى إرادته لإثابة المطيع ومنفعة العبد وعقاب العاصى وضرر العبد (١)، فالأول منهما يسمى رحمته، والثانى يسمى غضبه وإرادة الله سبحانه قديمة أزلية، بها يريد سائر المرادات، فيستحيل فيها الغلبة والسبق، وإنما المراد هاهنا متعلق الإرادة من الحفع والضُر، فكان رفقه بالخلق ونعمه عليهم أغلب من نقمه وسابقة لها، فإلى هذا يرجع معنى الحديث.
وقد اختلف شيوخنا فى معنى الرحمة، هل ذلك راجع إلى نفس الإرادة للتنعيم أو إلى التنعيم بنفسه؟ وإنما يحتاج إلى هذا الاعتبار على القول بأن ذلك راجع إلى نفس الإرادة.
قال القاضى: الغلبة هنا والسبق بمعنى، والمراد بهما الكثرة والشمول، كما يقال: غلب على فلان حب المال أو الكرم أو الشجاعة: إذا كان أكثر خصاله.
وقوله:" جعل الله الرحمة مائة جزء " الحديث، كذا رويناه بضم الراء ويقال بفتحها، ومعناه: العطاف والرحمة. وفى الحديث الآخر: " خلق الله مائة رحمة، فوضع
(١) مذهب السلف: إثبات صفتى الرحمة والغضب من غير تأويل وكيفية.