للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٧) باب تحريم مطل الغنىّ، وصحة الحوالة، واستحباب قبولها إذا أحيل على ملىّ

٣٣ - (١٥٦٤) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَطْلُ الْغَنِىِّ ظُلْم، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِىءٍ فَلْيَتْبَعْ ".

ــ

قال القاضى: وقوله - عليه السلام -: " مطل الغنى ظلم ": المطل: منع قضاء ما استحق أداؤه. وفيه دليل على أن مطل غير الغنى ليس بظلم وإن كان مضطرًا يجوز. وقد قال الله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (١)، وإنما فصل بمطله من النظرة إلى ميسرة، مما يوجب الحكم وأمر به الله تعالى. وفيه حجة لمالك والشافعى وعامة العلماء، أنه إذا كان معسرًا فلا يلزم سَجنه (٢) ولا ملازمته، ولا مطالبته حتى يكتسب مالاً؛ إذ قد أنظر إلى الميسرة، فكأنه من عليه دين إلى أجل وقد تقدم هذا. وإذا كان واجدًا ومنع صاحب الحق استعمال حقه لغير عذر فهو ظالم له.

[وقد اختلف أصحابنا وغيرهم فى أن المماطل هل يفسق وترد شهادته بمطله مرة واحدة أم لا ترد شهادته حتى يتكرر ذلك منه ويصير عادة مستمرة ومقتضى مذهبنا اشتراط التكرار، وجاء فى الحديث الآخر فى غير مسلم: " لَىُّ الواجد يُحل عرضه وعقوبته "] (٣). قال سفيان: عِرْضُه (٤) أن يقول: مطلنى، وعقوبته الحبس. وهذا الحديث يدل على أن المراد بمطل الغنى ظلم ما تقدم وهو ظاهر، وتأويل كافة العلماء، خلافًا لما ذهب إليه بعضهم من أن المراد أن الغنى هو الممطول، وأنه وإن كان غنيًا فمطله ظلم. وهو تعسف فى التأويل من قائله (٥).

وقوله: " وإذا أتبع أحدكم على ملىء فليتبع ": معناه: إذا أحيل على ملىء فَليَحْتَل هذا هو أُتبع، و " فليتبع " ساكنة التاء فيهما، وبعض المحدثين يشددها فى الحديث الآخر. والوجه إسكانها، يقال من ذلك: تبعت الرجل، بمعنى أتبعه تباعة: إذا طلبته


(١) البقرة: ٢٨٠.
(٢) لأن الحبس إما أن يكون لإثبات عثرته أو لقضاء دينه، وعثرته ثابتة والقضاء متعذر، فلا فائدة فى الحبس. راجع: المغنى ٦/ ٥٨٥.
(٣) نقلها النووى عن القاضى، وهى فى الأصل مضطردة، والمثبت مما نقله النووى عن القاضى.
(٤) أى إباحة عرضه.
(٥) لأنه يلزم أن يكون المصدر مبنيًا للمفعول، وفيه خلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>