للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونَسَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمِّدُ بْنُ رَافِعٍ،

ــ

به، فإذا له تبيع، قال الله تعالى: {ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} (١)، ومعظم شيوخنا حملوا قوله: " فليتبع " على الندب. وقد ذهب بعضهم إلى أنه على الإباحة، وأنه ليس على الندب، وحكى الداودى أنه قيل: إنه غرم.

وفى قوله: " مطل الغنى ظلم " قيل: هذا دليل أن الحوالة لا تصح إلا عن دين حال، إذ لا يكون ظالمًا ولا مطولاً من لم يحل عليه الدين.

قال الإمام: الكلام فى الحوالة فى ثلاثة فصول:

أحدها: هل يجبر المحال على التحول؟

والثانى: هل يشترط فى ذلك رضا المحال عليه؟

والثالث: هل تبرأ ذمة المحيل بالحوالة؟

فأما الفصل الأول: فجمهور العلماء على أنه لا يجبر على التحول، وحملوا هذا الحديث على الندب، وقال داود: يجبر على التحول، وحمل الحديث على الوجوب، وأهل الأصول مختلفون فى الأمر المجرد، هل يحمل على الوجوب أم الندب؟ وأكد مذهبهم من حمله على الندب بأن قال: إنما عامل على هذه الذمة، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المسلمون عند شروطهم " (٢)؛ ولأن أحدًا لا يجبر على بيع سلعته، وهذا مَلَكَ ثمنه فى هذه الذمة فلا يجبر على بيعه بذمة أخرى، فدل هذا الاستدلال على أن المراد بالحديث الندب. وأكد هذا الاستدلال دلالة مجردة عند من قال: إنه على الندب، أو نقله إلى الندب بهذه الدلالة من يقول: إن الأمر على الوجوب.

وأما الفصل الثانى: فإن اشتراط رضا المحال عليه لا يعتبر عند أبى حنيفة، والشافعى أطلق ذلك من غير تفصيل. وقال الإصطخرى: بل يعتبر رضا المحال عليه، وقال مالك: لا يعتبر - أيضاً - إلا أن يكون المحال عليه عدوًا له، أو من تضر به حوالته عليه، فلا يجبر حينئذ على تمكينه من مطالبته.

والرد على الإصطخرى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وإذا أتبع أحدكم على ملىء فليتبع "، ولم يشترط رضا المحال عليه، وقياسًا على ما لو وكل أحدًا يقبض دينه، فإن ذلك لا يعتبر فيه رضا الموكل عليه. ووجه اشتراط مالك؛ ألا تكون عداوة: أن فى إحالة عدوه عليه


(١) الإسراء: ٦٩.
(٢) البخارى، ك الإجارة، ب أجر السمسرة معلقًا (الفتح ٤/ ٤٥١)، أبو داود، ك الأقضية، ب فى الصلح (٣٥٩٤) بلفظ " على " بدلاً من " عند " وكذا عند الترمذى، ك الأحكام، ب ما ذكر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الصلح بين الناس (١٣٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>