للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابَقَ بِالخَيْلِ التِى قَدْ أُضمِرَتْ مِنَ الحَفْيَاءِ، وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنِ الخَيْلِ التِى لمْ تُضْمَرْ، مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِى زُرَيْقٍ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا.

ــ

وأبى ذلك مالك - فى الرواية الأخرى - وبعض أصحابه وربيعة والأوزاعى وقالوا: لا يرجع إليه سبقه، قال مالك: وإنما يأكله من حضر إن سبق مخرجه إن لم يكن مع المتسابقين ثالث، فإن كان معهما ثالث فالذى يلى مخرجه إن سبق، فإن سبق غيره فهو له بغير خلاف فخرج هذا عندهم عن معنى القمار جملة ولحق بالأول؛ لأن صاحبه قد أخرجه عن ملكه جملة وتفضل بدفعه، وفى الوجوه الأخر يعنى من القمار، والحظر لأنها مرة ترجع الإسباق لمخرج أحدهما، ومرة تخرج عنه إلى غيره.

ومن شرط وضع الرهان فى المسابقة أن تكون الخيل متقاربة الحال فى سبق بعضها بعضاً، فمتى تحقق حال أحدهما فى السبق كان الرهن فى ذلك قماراً لا يجوز، وإدخال المحلل لغو لا معنى له. وكذلك إن كانت متقاربة الحال مما يقطع غالباً على سبق جنسها كالمضمرة مع غير المضمرة، والعراب (١) مع غيرها. فلا يجوز المراهنة فى مثل هذا، ويجوز فيها المسابقة بغير رهان، وإنما يدخل التحليل والتحريم مع الرهان، وليس فى حديث مسابقة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر الرهان، وفيه تمييز ما ضمر وسباقه. منفرداً عما لم يضمر.

وقد ذكر أبو داود وغيره فى ذلك عن أبى هريرة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن أدخل فرساً بين فرسين (٢)، وقد أمن أن يسبق فهو قمار. ومن شرطهما - أيضاً - ضرب الأصل لسباقها.

والتضمير هو تقليل علفها مدة وإدخالها بيتاً كنيناً، وتحليلها فيه لتعرق ويجف عرقها، فتصلب ويخف لحمها، وتقوى على الجرى. يقال: ضمرت الفرس وأضمرته.

وقوله: " من الحفياء إلى ثنية الوداع ": الحفياء تمد وتقصر. قال سفيان: بينهما خمسة أميال أو ستة. وقال ابن عقبة: ستة أميال أو سبعة.

وثنية الوداع موضع بالمدينة، سمى بذلك الخارج منها يودع مشيعه. وقيل: بل سمى بذلك لوداع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه بعض المسلمين، والأول أصح؛ لقول نساء الأنصار حين مقدم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع


(١) هو الفرس العربى الذى يكون على أشاعر حافره فى مواضع، ثم يبذع بمبذغ بذغاً رفيقاً لا يؤثر فى عصبه حيث تنسف أسفل حافره. انظر: اللسان، مادة " عرب ".
(٢) أبو داود، ك الجهاد، ب فى المحلل ٢/ ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>