للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩٥ - (١٠٣٤) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ، قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ - أَوْ خَيْرُ الصَّدَقَةِ - عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَاليَدُ العُليَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى، وَابْدأ بِمَنْ تَعُولُ ".

ــ

الآخذة؛ لأنها إذا أخذت كانت فوق السفلى، وهذان التأويلان يردهما ما نص فى الحديث من التفسير. وقال الداودى: ليست العليا والسفلى المعطاة والمعطية بغير مسألة، وإنما هى السائلة والمسؤولة، وليست كل سائلة تكون خيراً من المسؤولة، إنما ذلك لمن سأل وأظهر من الفقر فوق ما به، وأما عند الضرورة أو لِيُكافى فليس من ذلك. وقد استطعما - الخضر وموسى عليهما السلام - أهل القرية (١).

قال القاضى: وما قاله غير مسلَّم فى هذا الفصل الآخر؛ لأن لفظ الحديث يدل على خلافه، وأن الفضل للمعطية والأجر. وأما من سأل مظهرًا للفقر فسؤاله حرام، وليس الحديث فى مثله بل فيمن يجوز سؤاله، ومدار أحاديث الباب وما بعده فى كراهة السؤال وذمه، وسنزيده بياناً إن شاء الله.

وقوله: " وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول ": دليل على ما تقدم من تقديم حق النفس والأهل، وأن الصدقة إنما تكون بعد إحراز قوت نفس الإنسان وقوت أهله؛ لأن حق نفسه وحقهم متعين عليه وفرض والصدقة والمواساة مرغب فيها.

وقد اختلف العلماء فى جواز صدقة المرء بجميع ماله فى حال صحته فأجازه الجمهور من أئمة أهل الأمصار، وقيل: يرد جميعه، وروى عن عمر بن الخطاب. وقيل: يمضى منه الثلث، وهو قول أهل الشام، وقيل كل من أعطى ما زاد على النصف رد إلى النصف، وروى عن مكحول: قال الطبرى: ومع جوازه فالاستحباب ألا يفعل ليتأدب بأدب الله لرسوله، قال الله [تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (٢): {وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} (٣)، وأن يجعل من ذلك الثلث، كما أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا لبابة وكعباً. قال الخطابى: ومعنى قوله: " عن ظهر غنى ": أى متبرعاً، أو عن غنى يعتمده ويستظهر به على النوائب، كما قال فى الحديث الآخر: " ما أبقت غنى ". وقد قيل فى هذا: ما ترك غنى للمتصدق عليه، يعنى إجزال العطية. والأول أظهر؛ بدليل لفظ الحديث ومقصده.


(١) وهذا استئناس بقول الله تعالى: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبُوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا ...} الآية. [الكهف: ٧٧].
(٢) من س.
(٣) الإسراء: ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>