أجراها فى أول برج الحمل، وكان الزمان الذى أشار إليه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صادف حلول الشمس الحمل. ولما وقفت على قوله هذا دعا ذلك لتعديل هذا اليوم، فَعُدِلَ لاختبار ما قال، فلم يوجد كما زعم، ووجدت الشمس يوم التاسع من ذى الحجة سنة عشر قد قطعت من برج الحوت نحو عشرين درجة، لكن أظنها كانت فى مثل هذا اليوم سنة تسع فى أول الحمل، وأراه من هذه الجهة غلط، لو كان الأصل الذى ذهب إليه، لكنه لم يقله أحد من علماء الشرع.
قال القاضى - رحمه الله -: نظرت فيما قالاه على تعين ترك النظر فيه ووجوب طرحه لكن لما جاء من خطأ به فوجدت قول الشيخ: التاسع من ذى الحجة سنة عشر وهماً بيناً؛ لأن الخطبة إنما كانت يوم النحر؛ اليوم العاشر، كما نص فى الحديث وعلى الوجهين، فيكون ما قاله الخوارزمى خطأ، لأنه يتبقى لقطع الشمس من برج الحوت وانتقالها إلى برج الحمل نحو عشر درجات، تقطعها فى عشرة أيام على ما حكوه عن أهل المعرفة بالحساب؛ أنها إنما تقطع كل برج فى ثلاثين يوماً.
ولمالك بن أنس وغيره من أئمة الهدى على هذا الباب لمعرفة الأوقات كلام على هذا إلا أن مالكاً قال فى ثلاثين يوماً وثلث يوم وفى استدارة الزمان للغرب وجه هو معنى الحديث إن شاء الله، هو ما قاله إياس بن معاوية، وذلك أن المشركين كانوا يحسبون السنة اثنى عشر شهراً وخمسة عشر يوماً، فكان الحج يكون فى رمضان وفى ذى القعدة وفى كل شهر من السنة بحكم استدارة الشهور لزيادة الخمسة عشر يوماً، فحج أبو بكر - رضى الله عنه - سنة تسع من ذى القعدة بحكم الاستدارة، ولم يحج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما كان فى العام المقبل وافق الحج ذا الحجة فى العشر، ووافق ذلك الأهلة، وقد روى أن أبا بكر - رضى الله عنه - إنما حج فى ذى الحجة.
وروى عن ابن عباس معنى آخر قال: كانوا إذا كانت السنة التى ينسئ فيها قام خطيبهم بفناء الكعبة، وقد اجتمع إليه الناس يوم الصدر فقال: " أيها الناس، إنى قد نسأت العام صفر الأول - يعنى المحرم - فيطرحون من الشهور ولا يعتدون به ويبتدئون العدة فيقولون لصفر وشهر ربيع: صفران، ولربيع الآخر ولجمادى: شهر الربيع، ولجمادى الأخرى ورجب: جماديان، ولشعبان: رجب، ولرمضان: شعبان، هكذا إلى محرم فيسمونه ذا الحجة، فيحجون فيه تلك السنة فى المحرم، ويبطلون من هذه السنة شهراً يحجون فى كل سنة فى شهر حجتين، ثم ينسئ فى السنة الثانية صفر الأول فى عدتهم وهو الآخر فى العدة المستقيمة، حتى يكون حجهم فى صفر حجتين، كذلك الشهور كلها حتى يستدير الحج فى كل أربع وعشرين سنة إلى المحرم، الشهر الذى ابتدؤوا فيه النسىء.
وعن ابن الزبير نحو هذا، إلا أنه قال: يفعلون ذلك فى كل ثلاث سنين يزيدون شهراً قبل، وكانوا يقصدون بذلك موافقة شهور العجم لشهور الأهلة، حتى تأتى الأزمان