واحدة، قال: ووجدنا أيام شهور العجم فى السنة ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً، ووجدنا شهور الأهلة ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوماً، وبيننا وبينهم أحد عشر يوماً فى العام، فزادوا شهرًا فى كل سنة ثالثة حتى يستقيم. وتأتى أسماء شهورهم موافقة لمعانيها لا تختلف أوقاتها كشهور العجم، فكان رمضان يأتى أبداً فى الحر والرمضاء، وبه سمى والربيع فى زمان ابتداء من المطر ونبات الربيع، على مذهبهم أن زمان الربيع هو الخريف عندهم، وجمادى فى شهور البرد وجمود الماء لذلك، قال الشاعر:
فى ليلة من جمادى ذات أندية
فلولا أنها كذلك أبدًا عندهم لا يختلف حال ليالى جمادى لما حسن هذا الكلام ولا صح، كما لا يصح لأحد منا أن يقوله اليوم، فعلى هذا يستقيم لفظ الحديث ويتوجه معناه، وينفهم المراد بقوله - عليه السلام -: " اثنى عشر شهراً "، وعلى حكمهم فى النسىء فى تحريم شهر وتحليل آخر لا يختلف عدد الشهور، وإنما يختلف فيها الشهور للتحريم والتحليل، وقيل: لما وافق حج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذا الحجة قال: " إن الزمان قد استدار كهيئتة يوم خلق الله السماوات والأرض " إنى قد ثبت الحج فى ذى الحجة وثبت التحريم فيه لوقوعه أيضاً موقعه.
وقوله: " ورجب مضر "، قال الإمام - رحمه الله -: قيل: إن ربيعة كانت تجعل رجباً رمضان ومضر تبقيه على حاله، فلذلك أضافه إليهم، وقيل لأنهم كانوا يعظمونه أكثر من غيرهم، وأكثر ذلك بقوله: " الذى بين جمادى وشعبان "، وزيادة في البيان وتحرزاً من تنقله بالسنين حتى كان يسمى باسمه غيره.
قال القاضى - رحمة الله -: وقيل: كانت العرب تسمى رجباً وشعبان الرجبين، وقيل: بل كانت تسمى جمادى ورجب جمادين، وتسمى شهر شعبان رجباً، فلذلك خص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجباً بعينه.
وقوله: ثم قال: " أى بلد هذا؟ ثم أليس البلدة " يعنى مكة، وعرفها للعهد والتخصيص والتعظيم، وهذا مثل قوله تعالى:{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَة}(١)، وقيل: هو اسم لمكة، وقيل: اسم لمنى.