للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ. قَالَ: فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ، وَلا أَسْأَلَ أَحَدًا عَنْ شَىْءٍ حَتَّى أَمُوتَ، ثُمَّ بَدَا لِى فَقُلْتُ: أَنْبِئِينِى عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} (١)؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قيَامَ اللَّيْلِ فِى أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ. فَقَامَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلاً، وَأَمْسَكَ اللهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَىْ عَشَرَ شَهْرًا فِى السَّمَاءِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ، فِى آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ، التَّخْفِيفَ، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ. قَالَ: قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ،

ــ

وقوله: " فهممت أن أَقُومَ ولا أسأل أحداً عن شىء حتى أموت ": اكتفى بذلك واقتدى بالتخلق بأخلاق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقرآن، ففيه المقنع (٢) من كل شىء والهداية إلى كل رشد والخلاء من كل شبهة.

وقولها: " إن الله افترض قيام الليل على نبيه فى أول سورة المزمّل، فقام هو وأصحابه حولاً وأمسك خاتمتها اثنى عشر شهراً حتى أنزل فى آخرها التخفيف فنبه أن قيامه تطوع بعد فرض " (٣).

قال القاضى: اختلف الناس فى حكم قيام الليل كيف كان؟ والمراد بالآية ما هو؟ فحكى أبو بكر الأدفوى (٤) أن قوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ} (٥) ليس بفرض ولا على الوجوب عند بعضهم لقوله: {نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً} (٦)، وردّ عليه، وليس هكذا صفة الفروض وإنما هو ندب. وقيل: حتم وفرض، وقيل: حتم على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده.

قال القاضى: ودليل قول عائشة أنه كان فرضاً عليه وعلى أمته ثم نسخ. قال مكى: وهو قول كافة أهل العلم، وقيل: نسخه بعد عشر سنين وهو الظاهر، لأن نسخها على ما روى آخرها ونزل آخرها بالمدينة، والسورة كلها مكية من أول ما نزل من القرآن إلا الآيتين آخرها، وقيل: بل كان قيام الليل أول ما فرض الله على رسوله وأمته، قالت عائشة: " ثم رحمهم الله فردها بالفريضة وترك قيام الليل ". ولم يختلف العلماء مع اختلافهم فى تأويل الآية وحكم قيام الليل أنه غير واجب، إذ قد سقط فرضه عن المسلمين بالنسخ عند من قال إنه كان [عليهم] (٧) واجباً، إلا طائفة روى (٨) عنها أيضاً فرضه، ولو قدر حلب شاة (٩).


(١) المزمل: ١.
(٢) نقلها الأبى: متبع، ولا وجه لها.
(٣) لفظها فى المطبوعة: " إن الله عز وجل افترض قيام الليل فى أوَّل هذه السورة، فقام نبىُّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثنى عشر شهر فى السماء، حتى أنزل الله فى آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة ".
(٤) نقلها الأبى وقيدها: الأبهرى.
(٥) المزمل: ٢.
(٦) المزمل: ٣.
(٧) من س.
(٨) فى الأصل: وروى.
(٩) علق النووى عليها بأنه غلط، ومردود بإجماع من قبله مع النصوص الصحيحة أنه لا واجب إلا الصلوات الخمس ٢/ ٣٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>