وذكر مسلم قيام النبى - عليه السلام - بالناس فى رمضان، وأنه لم يخرج إليهم فى الليلة الثالثة لما كثروا، وقال:" خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها " فيه دليل على جواز الجمع للنوافل عامة ولجمع رمضان خاصة، لكن كره أهل العلم الجمعَ للنوافل مشهراً وعلى التوالى إلا قيام رمضان، فلم يختلفوا فى استحباب الجمع فيه، قالوا: وفيه جواز الائتمام ممن لم ينو أن يؤمك، وهذا جائز إلا فى الصلوات المشروط فيها الجماعة بكل حال؛ كالجمعة، وصلاة الخوف، والجمع بين الصلاتين لعذر المطر وشبيهه، وتركه - عليه السلام - الخروج والتجمع ليس بنسخ ولا رفض لما تقدم، بل للعلة التى ذكرها من خشية الفريضة عليهم فيعجِزوا عنها، لاسيما على القول: إنها كانت عليه هو فريضة، فخشى - عليه السلام - إن داموا عليها أن تفرض عليهم، رفقاً بهم، وكان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً كما قالت عائشة فى حديث سبحة الضحى. قال القاضى أبو بكر بن الطيب: ويحتمل أن يكون - عليه السلام - ظن ذلك وحذره من قبل نفسه لما قد اتفق من بعض القرب التى داوم عليها، ويحتمل أن يريد بذلك أنه خاف أن يظن أحد من أمته بعده - إذا داوم عليها - أنها واجبة، وهذه كلها مأمونة بعد النبى - عليه السلام.
قال القاضى: والتأويل الأول هو الصحيح، وهذا التأويل الآخر يبعد مع قوله:" خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها ".