للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال الإمام: وقوله: " لك الحمد أنت نور السماوات والأرض " وقول الله: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} (١) قيل: معناه: مُنوِّرُ السماوات والأرض أى خالق نورهما.

قال القاضى: قال أبو عبيد: معناه: بنورك يهتدى أهل السماوات والأرض، قال الخطابى فى تفسير اسمه النور: معناه الذى بنوره يبصر ذو العماية وبهدايته يرشد ذو الغواية، قال: ومنه قول تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} أى منه نورهما، قال: ويحتمل أن يكون معناه ذو النور ولا يصح أن يكون النور صفة ذات له وإنما يكون صفة فعل؛ إذ هو خالقه وموجده. وحكى غيره عن مجاهد وابن عباس معناه: مدبر شمسهما وقمرهما ونجومهما، قال أبو القاسم القشيرى: وهو منور الآفاق بالنجوم والأنوار، ومنور القلوب بالدلائل، وقيل: المراد بنور السماوات والأرض هنا: القرآن، وقيل: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عن ابن عباس معناه: هادى أهل السماوات والأرض.

قال القاضى: حقيقة النور أنه الذى به تنكشف الأمور وتظهر المخبآت وتنكشف (٢) الحجب والسواتر به، وهو معنى يقوم بالأجسام، وربما سميت الأجسام الملازمة [بالوصف] (٣) بهذه الأوصاف أنوارًا، إذ لا تخلو منها فهو كله خَلْق من خلق الله وفعل من أفعاله فهو منوِّر الآفاق بهذه الأنوار، فيزيل عنها الظلام، ويكشف اللبس والعشا (٤) من الأبصار، فيسلكون به سبلهم ويهتدون به إلى شؤونهم، فيُهتدى بها فى ظلمات البر والبحر، وسمى القرآن بذلك؛ لهداية قلوب المؤمنين، وكشف الريب والشك، وإيضاح. سبل الحق وطرق الهدى والرشد، وسمى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك؛ إذ به هداية جميع المؤمنين، وهو المبين لهم عن الله والموضح لهم شريعته (٥) ومخرجهم من ظلمات الكفر، والله - تعالى - فاعل ذلك كله، فهو النور وذو النور، قال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور} (٦) وليست ذاته بنور ولا هو صفة على هذا المعنى الذى ذكرناه خلافاً لمن قال ذلك من المُجسِّمةِ (٧) بل هو تعالى نور من حيث هو خالق النور، وجاعله أو مدبر خلقه بذلك، فيكون صفة فعل أو من حيث هو مبينٌ وهادٍ بإرادته وقدره بذلك وقدرته، فيكون صفة ذات، أو على لسان أنبيائه وجعل ذلك فى قلوب أوليائه فيكون صفة فعل، وقد مرّ من هذا أول الكتاب.


(١) النور: ٣٥.
(٢) في س: ترتفع.
(٣) ساقطة من س.
(٤) فى س والعمى.
(٥) فى س: شريعتهم.
(٦) البقرة: ٢٥٧.
(٧) قال الأبى فيما نقله من محصل الرازى: اختلف فى النور، فقيل: جسم، وقيل: عرض، وإذا انحصر النور فى أنه جوهر أو عرض استحال أن تكون ذاته تعالى نوراً أو النور صفة لها. لاستحالة أن تكون ذاته تعالى جوهراً أو عرضاً، ثم النور لغة: اسم لهذه الأضواء الفاضلة على الشمس والقمر والكوكب والنار، وعلى الأرض والحدرات وغيرها، ويمتنع أن تكون ذاته - سبحانه وتعالى - نوراً بهذا التفسير؛ لاستحالة أن تكون ذاته - سبحانه وتعالى - هذه الأضواء. الإكمال ٢/ ٣٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>